للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جانب، حين يركبون السفن .. فزعوا بالدعاء إلى الله تعالى، مخلصين له الطاعة، لا يشركون به شيئًا، ولا يدعون معه أحدًا سواه، ولا يستغيثون بغيره، فلما نجوا من الأهوال التي كانوا فيها، وخلصوا إلى البر .. فمنهم متوسط في أقواله وأفعاله بين الخوف والرجاء، موفٍ بما عاهد عليه الله في البحر، ومنهم من غدر ونقض عهد الفطرة، وكفر بأنعم الله عليه.

٣٣ - ولما ذكر (١) الله تعالى الدلائل على الوحدانية والحشر من أول السورة إلى هنا .. أمر بالتقوى على سبيل الموعظة، والتذكير بهذا اليوم العظيم، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} نداء (٢) عام لكافة المكلفين، وأصله لكفار مكة {اتَّقُوا رَبَّكُمْ} الذي رباكم بنعمه في جميع أطواركم، بقبول التوحيد، وامتثال المأمورات، والتبري من الكفر، واجتناب المنهيات؛ أي: اجعلوا التقوى وقايةً وسترًا لكم من عذاب ربكم.

قال بعضهم: مرةً يخوفهم بأفعاله فيقول: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} ومرةً بصفاته فيقول: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤)} ومرةً بذاته فيقول: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، {وَاخْشَوْا} الخشية: خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى به {يَوْمًا}، قال في "التيسير": يجوز أن يكون على ظاهره؛ لأن يوم القيامة مخوف، وأن يكون على تقدير مضاف؛ أي: وخافوا عذاب يوم {لَا يَجْزِي}؛ أي: لا يدفع فيه، {وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ} شيئًا من العذاب، أو لا يقضي عنه شيئًا من الحقوق، أو لا يحمل والد عن ولده شيئًا من سيئاته، ولا يعطيه شيئًا من طاعته، يقال: جزاه دينه، إذا قضاه عنه.

والمعنى: أي لا يغني الوالد عن ولده شيئًا، ولا ينفعه بوجه من وجوه النفع لاشتغاله بنفسه.

وقرأ الجمهور (٣): {لَا يَجْزِي} بفتح الياء مضارع جزي الثلاثي، وقرأ


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.