فضلناه على جميع الكتب عالمين بأنه أهل للتفضيل عليها حالة كون ذلك الكتاب {هُدىً}؛ أي: هاديا من الضلالة إلى الرشد {وَرَحْمَةً}؛ أي: وذا رحمة {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} به، ويعملون بما فيه من الأحكام، أو فصلناه لأجل الهداية والرحمة للمؤمنين. وقرىء {هدى ورحمة} - بالرفع؛ أي: هو هدى ورحمة لهم. وقرأ زيد بن علي:{هدى ورحمة} بالخفض على البدل من {كتاب}، أو النعت، وعلى النعت لـ {كتاب} خرجه الكسائي والفراء رحمهما الله تعالى.
وحاصل المعنى: ولقد (١) جئنا هؤلاء القوم بكتاب كامل البيان؛ وهو القرآن فصلنا آياته تفصيلا على علم منا بما يحتاج إليه المكلفون من العلم والعمل تزكية لنفوسهم، وتطهيرا لقلوبهم، وجعلناه سبب سعادتهم في معاشهم ومعادهم، وهدى ورحمة لمن يؤمن به إيمانا يبعثه على العمل بما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه. انظر إليه تجده قد أوضح أصول الدين العامة بما لا يطلب معه زيادة لمستزيد، فنعى على المقلدين الأخذ بآراء من تقدمهم من آبائهم ورؤسائهم دون بحث ولا تمحيص في مثل قوله:{إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ} وكرر القول ببطلان التقليد وضلال المقلدين، وحث على النظر والاستدلال، والاعتماد على البرهان في مثل قوله:{قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} وبهذا كان الإسلام دين العقل والفطرة، وينبوع الهدى والحكمة.
٥٣ - والاستفهام في قوله:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} إنكاري؛ أي: ما ينتظر هؤلاء الكفار من أهل مكة وغيرهم إذ أعرضوا عن الإيمان به {إِلَّا تَأْوِيلَهُ} وتفسيره؛ أي: إلا عاقبة ما وعدوا به في القرآن من حلول العذاب بهم يوم القيامة؛ أي ليس أمامهم شيء ينتظرونه في أمره إلا وقوع تأويله، وهو وقوع ما أخبر به من أمر الغيب الذي يقع في المستقبل في الدنيا، ثم في الآخرة مما وعد به المؤمنين من نصر وثواب، وأوعد به الكافرين من خذلان وعقاب.