فصاحب البهتان مذموم في الدنيا أشد الذم، ومعاقب في الآخرة أشد العقاب، فقوله:{بُهْتَانًا} إشارة إلى الذم العظيم في الدنيا، وقوله:{وَإِثْمًا مُبِينًا} إشارة إلى العقاب الشديد في الآخرة، ولما (١) كانت الذنوب لازمة لفاعلها .. كانت كالثقل الذي يحمل، فعبر عنه باحتمل، ومثله:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}.
وقد فشا هذا بين المسلمين في هذا الزمان، ولم يكن لهذا من سبب إلا ترك هداية الدين، وقلة الوازع النفسي والغفلة عن الأوامر والنواهي التي جاءت به الشريعة.
١١٣ - وبعد أن ذكر المختانين أنفسهم، ومحاولتهم زحزحة الرسول صلوات الله وسلامه عليه عن الحق .. بيَّن فضله ونعمته عليه، فقال تعالى:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ} سبحانه وتعالى وإحسانه {عَلَيْكَ} يا محمد بالنبوة، والتأييد بالعصمة {وَرَحْمَتُهُ} لك ببيان حقيقة الواقع وما هم عليه بالوحي، {لَهَمَّتْ} وقصدت {طَائِفَةٌ}؛ أي: جماعة {مِنْهُمْ}؛ أي: من الخائنين قوم طعمة {أنْ يُضِلُّوكَ}؛ أي: أن يخطئوك عن الحكم العادل المنطبق على حقيقة القضية في نفسها، ويوقعوك في الحكم الباطل، وذلك لأن قوم طعمة قد عرفوا أنه سارق، ثم سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجادل عنه ويبرئه عن السرقة، وينسب تلك السرقة إلى اليهودي، ولكنه قبل أن يطمعوا في ذلك ويهموا به، جاءك الوحي ببيان الحق، وإقامة أركان العدل والمساواة فيه بين جميع الخلق {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ}؛ أي: ما يضلون أحدًا إلا أنفسهم بسبب تعاونهم على الإثم والعدوان، وشهادتهم بالزور والبهتان؛ لأن وبال ذلك عائد عليهم {وَمَا يَضُرُّونَكَ} يا محمد {مِنْ شَيْءٍ}؛ لأنه سبحانه وتعالى هو عاصمك من الناس، فإنهم وإن سعوا في إلقائك في الباطل .. فأنت ما وقعت فيه؛ لأنك عملت بالظاهر، ولا ضرر عليك في الحكم به قبل نزول الوحي، {وَأَنْزَلَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَلَيْكَ} يا محمد {الْكِتَابَ}؛ أي: القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، {و} أوحى إليك