للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم ثم يرفعها فلينظر بم يرجع". أي: إن نعيم الدنيا في قلته وقلة زمنه، إذا قيس إلى نعيم الآخرة الطويل الأمد كانت تلك حاله.

وفي الآية (١) دليل على وجوب الجهاد في كل حال، وفي كل وقت؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى نص على أن تثاقلهم عن الجهاد أمر منكر، فلو لم يكن الجهاد واجبًا .. لما عاتبهم على ذلك التثاقل،

٣٩ - ويؤيد هذا الوعيد المذكور الآية الآتية وهي قوله تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا}؛ أي: إن لم تخرجوا أيها المؤمنون إلى ما طلبكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - للخروج إليه {يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}؛ أي وجيعًا (٢) في الآخرة؛ لأن العذاب الأليم لا يكون إلا في الآخرة، وقيل: إن المراد به احتباس المطر في الدنيا، قال نجدة بن رفيع: سألت ابن عباس عن هذه الآية، فقال: استنفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيًّا من أحياء العرب، فتثاقلوا فأمسك الله تعالى عنهم المطر، فكان ذلك عذابهم؛ أي (٣): يهلكهم الله بسبب فظيع هائل، كقحط وظهور عدو {وَيَسْتَبْدِلْ} عنكم {قَوْمًا غَيْرَكُمْ} خيرًا منكم وأطوع يطيعونه ويطيعون رسوله؛ لأنه قد وعد بنصره وإظهار دينه على الدين كله {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} قال سعيد بن جبير: هم أَبناء فارس، وقيل: هم أهل اليمن، نبه سبحانه وتعالى على أَنه قد تكفل بنصرة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وإعزاز دينه فإن سارعوا معك إلى الخروج إلى حيث استنفروا ... حصلت النصرة بهم ووقع أَجرهم على الله عَزَّ وَجَلَّ، وإن تثاقلوا وتخلفوا عنه .. حصلت النصرة بغيرهم، وحصلت العُتْبَى لهم، لئلا يتوهموا أن إعزاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونصرته لا تحصل إلا بهم.

والمعنى: أن الله يأتي بعد إهلاككم بدلكم بقوم مطيعين مؤثرين للآخرة على الدنيا، كأهل اليمن وأبناء فارس، والضمير في قوله: {وَلَا تَضُرُّوُه} إما (٤) راجع إلى الله؛ أي: ولا تضروا الله بتثاقلكم عن طاعته ونصرة دينه شيئًا من الضرر ,


(١) الخازن.
(٢) الخازن.
(٣) البيضاوي.
(٤) الخازن.