٤ - أن موسم الرطب بالمدينة قد تم صلاحه، وآن وقت تلطف الحر؛ لأن رجبًا وافق أكتوبر في تلك السنة، فاقتضى اجتماع هذه الأسباب تثاقل الناس عن تلك الغزوة.
روى ابن جرير عن مجاهد، قال: أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح وبعد حنين، وبعد الطائف أمروا بالنفير في الصيف حين اخترمت النخل - اجتني ثمرها - وطابت الثمار واشتهوا الظلال، وشق عليهم المخرج، فقالوا: منا الثقيل، وذو الحاجة والضيعة والشغل والمنتشر به أمره في ذلك كله.
وكان من دأب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج إلى غزوة أن يوري بغيرها , لما تقتضيه المصلحة من الكتمان، إلا في هذه الغزوة، فقد صرح بها ليكون الناس على بصيرة لبعد الشقة وقلة الزاد والظهر.
وكانت حكمة (١) الله في إخراجهم، وهو يعلم أنهم لا يلقون فيها قتالًا تمحيص المؤمنين وخزي المنافقين وفضيحتهم فيما كانوا يسرون من الكفر وتربص الدوائر بالمؤمنين، والاستفهام في قوله:{أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} استفهام توبيخ وتعجب؛ أي: أرضيتم بالحياة الدنيا وغرورها {مِنَ الْآخِرَةِ}؛ أي: بدل نعيم الآخرة؛ أي: أرضيتم بلذات الدنيا الناقصة الفانية بدلًا من سعادة الآخرة الكاملة الباقية، ومن يفعل ذلك .. فقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}؛ أي: فما التمتع بلذائذ الدنيا {في} مقابلة نعيم {الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} لأن سعادة الدنيا بالنسبة إلى سعادة الآخرة كالقطرة في البحر، وترك الخير الكثير لأجل السرور القليل سفه.
أي: فما هذا الذي تتمتعون به في الدنيا مشوبًا بالمنغصات والآلام إذا قيس بما في الآخرة من النعيم المقيم والرضوان من المولى إلا شيء قليل لا يرضى عاقل أن يتقبله بدلًا منه.
روى أحمد ومسلم والترمذي عن المسور أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "والله ما في