وقد استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في مجاوزة تبوك، وأشاروا عليه بعدم مجاوزتها، فانصرف هو المسلمون راجعين إلى المدينة، ولمَّا دنا من المدينة .. تلقاه الذين تخلفوا، فقال لأصحابه:"لا تكلموا رجلًا منهم، ولا تجالسوهم، حتى آذن لكم" فأعرض عنهم المسلمون، حتى إن الرجل ليعرض عن أبيه وأخيه إلى آخر ما في القصة، اهـ من "سيرة الحلبي".
والاستفهام في قوله:{مَا لَكُمْ} للإنكار والتوبيخ؛ أي: أي شيء يمنعكم من ذلك و {ما}: مبتدأ و {لكم}: خبره وجملة {اثَّاقَلْتُمْ} حال من ضمير المخاطبين وأصله تثاقلتم فأبدلت التاء ثاء، ثم أدغمت في الثاء، ثم اجتلبت همزة الوصل توصلًا إلى النطق بالساكن، وقرأ ابن مسعود والأعمش {تثاقلتم}{إِذَا قِيلَ لَكُمُ} ظرف لهذه الحال مقدم عليها، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا بما جاء به محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، أي شيء ثبت لكم من الأعذار حال كونكم متثاقلين ومشتهين الإقامة في أرضكم في وقت قول الرسول لكم انفروا؛ أي: اخرجوا إلى الجهاد في سبيل الله، يقال: استنفر الإِمام الناس إذا حثهم على الخروج إلى الجهاد ودعاهم إليه ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - "إذ استنفرتم .. فانفروا" والاسم النفير اهـ "خازن".
أي: يا أيها الذين آمنوا، ما الذي عرض لكم، مما يخل بالإيمان أو بكماله، من التثاقل والتباطؤ عن النهوض بما طلب منكم، وإخلادكم إلى الراحة واللذة في الأرض، حين قال لكم الرسول: انفروا في سبيل الله لقتال الروم الذين تجهزوا لقتالكم والقضاء على دينكم الحق، الذي هو سبيل سعادتكم، فآية صدق الإيمان بذل النفس والمال في سبيل الله، كما قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)} وكان من أسباب تثاقلهم أمور:
١ - الزمن كان وقت حر شديد.
٢ - أنهم كانوا قريبي عهد بالرجوع من غزوتي الطائف وحنين.
٣ - أنهم كانوا في عسرة شديدة وجهد جهيد من قلة الطعام.