للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعن لقمان الحكيم أنه قال لابنه: يا بني كما تنام فتوقظ، كذلك تموت فتنشر. وفي الآية رخصة للنوم بقدر دفع الضرورة، وهو فتور البدن. قال بعضهم: النوم راحة للبدن، والمجاهدات اتعاب البدن، فيتضادان.

فائدة: والحكمة في النوم أن الروح القدسي، أو اللطيفة الربانية، أو النفس الناطقة غريبة جدًّا في هذا الجسم السفلي، مشغولة بإصلاحه وجلب منافعه، ودفع مضارّه، محبوسة فيه ما دام المرء يقظان، فإذا نام ذهب إلى مكانه الأصلي ومعدنه الذاتي، فيستريح بواسطة لقاء الأرواح ومعرفة المعاني والغيوب مما يتلقى في حين ذهابه إلى عالم الملكوت من المعاني التي يراها بالأمثلة في عالم الشهادة، وهو السر في تعبير الرؤيا كذا قال في "الروح" والله أعلم.

ومعنى الآية: أي (١) ومن أثار قدرته وروائع رحمته الفائضة على خلقه أن جعل لنفعكم الليل كاللباس، يستركم بظلامه كما يستركم اللباس، وجعل النوم كالموت؛ لتعطيله الحواس ووظائفها المختلفة، وجعل النهار زمان بعث من ذلك الموت.

٤٨ - وثالث الأدلة: ما ذكره بقوله: {وَهُوَ}؛ أي: الله سبحانه وحده الإله {الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ}؛ أي: أطلقها وبعثها حالة كونها {بُشْرًا} لكم؛ أي: مبشرات لكم بمجيء المطر؛ أي: أرسلها {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}؛ أي: قدام رحمته ومطره سبحانه وتعالى؛ لأنه أولًا تكون ريح، ثم سحاب، ثم مطر. والإرسال: التسخير. والريح معروفة؛ وهي فيما قيل: الهواء المتحرك، وقيل في الرحمة: رياح بلفظ الجمع؛ لأنها تجمع الجنوب والشمال والصبا، وقيل في العذاب: ريح؛ لأنها واحدة؛ وهي الدبور التي أهلكت عادًا، وهو عقيم لا يلقح، ولذا ورد في الحديث: "اللهم اجعلها لنا رياحًا، ولا تجعلها ريحًا". والمعنى؛ أي: والله الذي أرسل الرياح مبشرات بقدوم الأمطار.


(١) المراغي.
(٢) المراح.