للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلتُ: لا اعتبار لستر الظلمة فإن ستر العورة باللباس ونحوه لحق الصلاة، وهو باق في الظلمة والضوء {وَ} جعل لكم {النَّوْمَ سُبَاتًا}؛ أي: راحة لأبدانكم، وقطعًا لأعمالكم، والنوم: استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد، والسبت: قطع العمل، ويوم سبتهم: يوم قطعهم للعمل، وسمي يوم السبت لذلك، أو لانقطاع الأيام عنده؛ لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السموات والأرض يوم الأحد، فخلقها في ستة أيام، فقطع عمله يوم السبت، كما في "المفردات".

والمعنى (١): وجعل النوم الذي يقع في الليل غالبًا راحة للأبدان بقطع المشاغل والأعمال المختصة بحال اليقظة، أو المعنى: جعل النوم موتًا، فعبر عن القطع بالسبات الذي هو الموت؛ لما بينهما من المشابهة التامة في انقطاع الحياة، وعليه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} فالموت والنوم من جنس واحد، خلا أن الموت هو الانقطاع الكلي؛ أي: انقطاع ضوء الروح عن ظاهر البدن وباطنه، والنوم هو الانقطاع الناقص؛ أي: انقطاع ضوء الروح عن ظاهره دون باطنه، والمسبوت: الميت لانقطاع الحياة عنه، والمريض: المغشي عليه لزوال عقله وتمييزه، وعليه قولهم: مثل المبطون والمفلوج والمسبوت ينبغي أن لا يبادر إلى دفنه حتى يمضي يوم وليلة ليتحقق موتهم.

{وَجَعَلَ} لكم {النَّهَارَ نُشُورًا} والنهار: الوقت الذي ينتشر فيه الضوء، وهو في الشرع ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وفي الأصل ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. والنشور؛ إما من الانتشار؛ أي: وجعل النهار ذا نشور؛ أي: انتشار، ينتشر فيه الناس لطلب المعاش وابتغاء الرزق، كما قال: {لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} أو من نشر الميت إذا عاد حيا؛ أي: وجعل النهار زمان بعث من ذلك السبات، والنوم كبعث الموتى، فو على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه. وفيه إشارة إلى أن النوم واليقظة أنموذج للموت والنشور،


(١) روح البيان.