للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المؤمنين، وأظهرت المنافقين فقال: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (١١) أي: حين ذاك اختبر الله المؤمنين، ومحصهم أشد التمحيص، فظهر المخلص من المنافق، والراسخ في الإيمان من المتزلزل، واضطربُوا اضطربًا شديدًا من الفزع وكثرة العدو.

١٢ - وقوله: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ}: معطوف على {وَإِذْ زَاغَتِ}، والتعبير بالمضارع، لحكاية الحال الماضية كما سيأتي؛ أي: واذكروا حين قال المنافقون، كمعتب بن قشير: {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}؛ أي: ضعف اعتقاد في الإيمان, لقرب عهدهم بالإِسلام، والمراد بالمنافقين: عبد الله بن أبي وأصحابه، وبالذين في قلوبهم مرض: أهل الشك والاضطراب.

فإن قلت (١): ما الفرق بين المنافق والمريض؟

قلت: المنافق من كذب الشيء تكذيبًا لا يعتريه فيه شك، والمريض: من قال الله تعالى في حقه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} كذا في "الأسئلة المقحمة".

{مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، من النصر والظفر على العدو، واعلاء الدين وهم لم يقولوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما قالوه باسمه، ولكن الله ذكره بهذا اللفظ، {إِلَّا غُرُورًا}؛ أي: إلا وعد غرور، وهو بالضم لا غير، والقائل لذلك معتب بن قشير ومن تبعه، كما سبق؛ أي: إلا وعدًا باطلًا يغرنا به، ويوقعنا فيما لا طاقة لنا به، ويسلخنا عن دين آبائنا، ويقول: إن هذا الدين سيظهر على الدين كله، وإنه سيفتح لنا فارس والروم، وها نحن أولاء قد حصرنا هاهنا، حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته.

١٣ - وكان القائلون بهذه المقالة نحو سبعين رجلًا من أهل النفاق والشك (٢)، وهذا القول المحكي عن هؤلاء هو كالتفسير للظنون المذكورة؛ أي: كان ظن هؤلاء هذا الظن، كما كان ظن المؤمنين النصر وإعلاء كلمة الله، {وَ} اذكروا


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.