للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أصحاب هذه الدعوى بالكاذبين، وجعلوه واحدا منهم.

٦٧ - {قالَ} هود لهؤلاء الملأ الذين نسبوه إلى السفه: {يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ}؛ أي: ليس بي شيء مما تنسبونني إليه من السفه؛ أي: ليس الأمر كما تدعون من أن بي سفاهة {وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} أرسلني إليكم لأبلغكم رسالات ربي وأؤديها إليكم، والله أعلم حيث يجعل رسالته، فلا يختار لها إلا من عرفوا برجحان العقل، وحصافة الرأي، وكمال الصدق، وإنما جمع الرسالة نظرا لاختلاف أوقاتها، ولتنوع معانيها، أو لأن المراد بها المرسل به؛ وهو يتعدد. ذكره أبو السعود.

٦٨ - ثم بين وظيفة الرسول وحاله عليه السلام فيما بلغ، فقال: {أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي}؛ أي: أؤدي إليكم ما أرسلني به ربي إليكم من أوامره ونواهيه، وشرائعه وتكاليفه {وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ} فيما آمركم به من عبادة الله عز وجل، وترك عبادة ما سواه أَمِينٌ؛ أي: موثوق فيما أبلغه عن ربي، فلا أكذب عليه في وحيه إلي، والأمين الثقة على ما ائتمن عليه.

وهذا رد لقولهم (١): {وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ} فكأن هودا قال لهم: كنت قبل هذه الدعوى أمينا فيكم، ما وجدتم مني غدرا ولا مكرا ولا كذبا، واعترفتم لي بكوني أمينا، فكيف نسبتموني الآن إلى الكذب؟ وفي هذا دليل على جواز مدح الإنسان نفسه في موضع الضرورة إلى مدحها، وإنما أتى هود (٢) بالجملة الاسمية في قوله: {وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ}؛ ونوح بالفعلية حيث قال: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ}؛ لأن صيغة الفعل تدل على تجدده ساعة بعد ساعة، وكان نوح عليه السلام يكرر في دعائهم ليلا ونهارا من غير تراخ، فناسب التعبير بالفعل، وأما هود فلم يكن كذلك، بل كان يدعوهم وقتا دون وقت، فلذا عبر بالاسمية.

وفي إجابة (٣) هؤلاء الأنبياء لأقوامهم بتلك الإجابة الصادرة عن الحكمة والإغضاء عما قالوا من وصفهم إياهم بالسفاهة والضلالة أدب حسن، وخلق


(١) المراح.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراغي.