فالفوز: الظفر مع حصول السلامة، فهم أهل الكرامة في الدارين. وأصحاب النار هم أهل الهوان فيهما.
وفي هذا تنبيه (١) للناس بأنهم لفرط غفلتهم ومحبتهم العاجلة واتباع الشهوات .. كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار، وبين أصحابهما حتى احتاجوا إلى الإخبار بعدم الاستواء، كما تقول لمن يعق أباه: هو أبوك، تجعله بمنزلة من لا يعرفه، فتنبه بذلك على حق الأبوة الذي يقتضي البرّ والتعطف، فكذا نبه الله تعالى الناس بتذكير سوء حال أهل النار وحسن حال أهل الجنة، على الاعتبار والاحتراز عن الغفلة، ورفع الرأس عن المعاصي، والتحاشي من عدم المبالاة. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أدنى أهل الجنة منزلة: من ينظر إلى جناته وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله: من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية، ثم قرأ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)}: وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أهون أهل النار عذابًا، من له نعلان وشراكان من نار، يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا".
٢١ - ولما فرغ سبحانه وتعالى من ذكر أهل الجنة وأهل النار، وبين عدم استوائهم في شيء من الأشياء.، ذكر تعظيم كتابه الكريم وأخبر عن جلالته وأنه حقيق بأن تخشع له القلوب وترق له الأفئدة، فقال:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ} العظيم الشأن المنزل عليكم أيها الناس، المنطوي على فنون القوارع أو المنزل عليك يا محمد، أو على محمد، بحسب الالتفات في الخطاب. {عَلَى جَبَلٍ} من الجبال، وهو كل وتد للأرض عظم وطال، كما سيأتي.
ثم إنه لا يلزم في الإشارة وجودُ جملة المشار إليه ذي الأبعاض المترتبة وجودًا، بل يكفي وجود بعض الإشارة حقيقة ووجود بعض آخر حكمًا. ويحتمل أن يكون المشار إليه هنا الآية السابقة من قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلخ. فإن لفظ القرآن كما يطلق على المجموع .. يطلق على البعض منه حقيقة، بالاشتراك، أو باللغة، أو مجازًا بالعلاقة، فيكون التذكير باعتبار تذكير المشار إليه.