للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفاضل فيه لأن صلته ملكة والأعدام مسبوقة بملكاتها.

وقال بعضهم (١): قدم {أَصْحَابُ النَّارِ} لذكر الذين نسوا الله قبله، ولكثرة أهلها.

ولفظ {النَّارِ} باللام من أعلام جهنم، كالساعة للقيامة. ولذا كثيرًا ما تذكر في مقابلة الجنة، كما في هذا المقام. وجاء في الشعر:

الْجَنَّةُ الدَّارُ فَاعْلَمْ إِنْ عَمِلْتَ بِمَا ... يُرَضِي الإِلَهَ وَإِنِ فرّطْتَ فَالنَّارُ

هُمَا مَحَلَّانِ مَا لِلنَّاسِ غَيْرُهُمَا ... فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ مَاذَا أَنْتَ تَخْتَارُ

والصحبة في الأصل: اقتران الشيء بالشيء، في زمان ما، قل أو كثر. وبذلك يكون كل منهما صاحب الآخر. وإن كانت على المداومة والملازمة .. يكون كمال الصحبة، ويكون الصاحب المصاحب عرفًا، وقد يطلق على الطرفين حينئذٍ صاحب ومصاحب أيضًا. ومن ذلك يكنى عن الزوجة بالصاحبة. وقد يطلق الصاحب على المالك؛ لكثرة صحبته بمملوكه كما قيل له: الربّ؛ لوقوع تربية المالك على مملوكه، فيقال: صاحب المال كما يقال: رب المال. فإطلاق {أَصْحَابُ النَّارِ} و {وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} على أهلهما إما باعتبار الصحبة الأبدية والاقتران الدائم، حتى لا يقال للعصاة المعذبين بالنار مقدار ما شاء الله تعالى: أصحاب النار. أو باعتبار الملك، مبالغة ورمزًا إلى أنهما جزاء لأهلهما، باعتبار كسبهما بأعمالهم الحسنة أو السيئة.

ونحو الآية: قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٢١) وقوله: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨)}.

والمعنى (٢): أي لا يستوي الذين نسوا الله فاستحقوا الخلود في النار، والذين اتقوا الله فاستحقوا الخلود في الجنة.

ثم بين عدم استوائهما، فقال: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} بكل مطلوب الناجون من كل مكروه. وهو استئناف مبين لكيفية عدم الاستواء بين الفريقين.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.