للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): أي هؤلاء العاملون، هم الذين صبروا على أذى المشركين، وشدائد الهجرة، وغيرهما من الجهود والمشاق، وتوكلوا على ربهم فيما يأتون وما يذرون، كأرزاقهم، وجهاد أعدائهم، فلا ينكلون عنهم، ولا يتراجعون ثقةً منهم بأن الله معلي كلمتهم، وموهن كيد الكافرين، وأن ما قسم لهم من الرزق لن يفوتهم.

٦٠ - ثم ذكر سبحانه: أن مما يعين على التوكل عليه: معرفة أنه كافي أمر الرزق في الوطن والغربة، فقال: {وَكَأَيِّنْ} اسم مركب من كاف التشبيه، وأي، آخره نون بمعنى كم الخيرية، في محل الرفع مبتدأ. {مِنْ دَابَّةٍ} تمييز له، وهي كل ما يدب على الأرض عاقلًا كان أم لا، من الطيور والسباع والهوام، وجملة: {لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} صفة لدابة، وجملة {اللَّهُ يَرْزُقُهَا}: خبر المبتدأ؛ أي (٢): وكثير من دابة ذات حاجة إلى الغذاء، لا تطيق حمل رزقها لضعفها، أو لا تدخر، وإنما تصبح ولا معيشة عندها، الله يرزقها؛ أي: يعطيها رزقها يومًا فيومًا، حيث توجهت، {و} يرزق {إياكم} حيث كنتم؛ أي: ثم إنها مع ضعفها وتوكلها، وإياكم مع قوتكم واجتهادكم، سواء في أنه لا يرزقها وإياكم إلا الله؛ لأن رزق الكل بأسباب هو المسبب لها وحده، فلا تخافوا الفقر بالمهاجرة والخروج إلى دار الغربة؛ أي: فكيف لا يتوكلون على الله مع قوتهم وقدرتهم على أسباب العيش، كتوكلها على الله مع ضعفها وعجزها. {وَهُوَ} سبحانه {السَّمِيعُ} الذي يسمع كل مسموع، أو المبالغ في السمع، فيسمع قولكم هذا في أمر الرزق {الْعَلِيمُ} بكل معلوم، أو المبالغ في العلم فيعلم ضمائركم.

ومعنى الآية: أي (٣) هاجروا أيها المؤمنون بالله ورسوله وجاهدوا أعداءَه، ولا تخافوا عيلةً ولا إقتارًا، فكم من دابة ذات حاجة إلى الغذاء والمطعم، لا تطيق جمع قوتها، ولا حمله، فترفعه من يومها لغدها، عجزًا منها عن ذلك، الله يرزقها وإياكم، يومًا بيوم، وساعةً فساعةً، وهو السميع لقولكم: فلا نخشى من


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.