للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ}؛ أي: ومن يكره منكم أيها السادة الإماء على البغاء {فَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنّ}؛ أي: من بعد إكراهكم إياهن، فهو مصدر مضاف إلى المفعول؛ أي: من بعد كونهن مكرهات على البغاء {غَفُورٌ} لهن ما قد يعرض لهق في تضاعيف الزنا، وتكراره من شائبة المطاوعة إما بحكم الجبلة البشرية، أو يكون الإكراه قاصرًا عن حد الإلجاء المزيل للاختيار. {رَحِيمٌ} بهن بعدم مؤاخذتهن على البغاء، وفي هذا التفسير جواب عما يقال: إن المكرهة على الزنا غير آثمة.

ويشهد لهذا المعنى قراءة ابن مسعود وجابر بن عبد الله وسعيد بن جبير {لهن غفور رحيم} بزيادة لهن، وتوسيط (١) الإكراه بين اسم إن وخبرها للإيذان. بأن ذلك هو السبب للمغفرة والرحمة.

وفيه دلالة على أن المكرهين محرومون منهما بالكلية. وحاجتهن إلى المغفرة المنبئة عن سابقة الإثم، باعتبار أنهن وإن كن مكرهات، لا يخلون في تضاعيف الزنا عن شائبة مطاوعة ما بحكم الجبلة البشرية. كما مرّ آنفًا. أو أتي بالمغفرة لغاية تهويل أمر الزنا وحث المكرهات على التثبت في التجافي عنه، والتشديد في تحذير المكرهين، ببيان أنهن حيث كنَّ عرضة للعقوبة. لولا أن تداركتهن المغفرة والرحمة، مع قيام العذر في حقهن، فما حال من يكرههن في استحقاق العقاب. اهـ. "أبو السعود".

وفي "الكواشي" المغفرة هاهنا عدم الإثم؛ لأنها لا إثم عليها إذا أكرهت على الزنا بقتل أو ضرب مفضٍ إلى تلف النفس، أو تلف العضو. وأما الرجل فلا يحل له الزنا، وإن أكره عليه؛ لأن الفعل من جهته ولا يتأتى إلا بعزيمة منه فيه، فكان كالقتل بغير حق، لا يبيحه الإكراه بحال. انتهى. وقيل: إن المعنى: فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم لهم، إما مطلقًا أو بشرط التوبة.

٣٤ - ولما فرغ سبحانه من بيان تلك الأحكام .. شرع (٢) في وصف القرآن


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.