٩٥ - {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}؛ أي: لا يكون القاعدون عن الجهاد بأموالهم بخلًا بها وحرصًا عليها، وبأنفسهم إيثارًا للراحة والنعيم على التعب وركوب الأخطار، الذين هم غير أصحاب الضرر والعذر من مرض أو عاهة من عمى أو عرج أو زمانة أو نحوها، وفي معناه العجز عن الأهبة؛ أي: لا يكون القاعدون الموصوفون بما ذكر مساوين للمجاهدين الذين يبذلون أموالهم في الاستعداد للجهاد بالسلاح والخيل والمؤنة، ويبذلون أنفسهم بتعريضها للقتل في سبيل الحق، ومنع تعدي حرب الطاغوت؛ لأن المجاهدين هم الذين يحمون الأمة والبلاد، والقاعدون لا يأخذون حذرهم ولا يعدون عدتهم للدفاع، ويكونون عرضة لتعدي غيرهم عليهم، كما قال تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}؛ أي: بغلبة أهل الطاغوت عليها، ولكن النكوص عن الجهاد لا يكون مذمة وبخلًا إلا مع القدرة.
أما مع العجز والضرر كالعمى والزمانة والمرض فلا تبعة فيه، فحينئذ فالقاعدون أولو الضرر يساوون المجاهدين؛ لأن العذر أقعدهم عن الجهاد، روى مسلم عن جابر قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن بالمدينة رجالًا، ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم، حبسهم المرض"، وروى البخاري عن أنس قال: رجعنا من تبوك مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"إن أقوامًا خَلفنا، ما سلكنا شعبًا ولا واديًا .. إلا وهم معنا، حبسهم العذر".
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} بالرفع بدل من القاعدون، ونافع وابن عامر والكسائي والباقون: بالنصب على الحال من {القاعدون}، والأعمش بالجر على الصفة للمؤمنين.
ثم بين (١) ما أجمله أولًا من التفاضل الذي بين الفريقين وعدم تساويهما فقال: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً}؛ أي: إن الله سبحانه