للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن من حيث الإدراك الباطني، ولا بصيرة للكافر، بل الكافر أسوأ حالًا من الأعمى المدرك للحق؛ إذ لا اعتبار بحاسة البصر لاشتراكها بين جميع الحيوانات.

٢٠ - {وَلَا} لتأكيد نفي الاستواء، {الظُّلُمَاتُ} جمع ظلمة، وهي عدم النور، {وَلَا} للتأكيد أيضًا {النُّورُ}، وهو الضوء المنتشر المعين للأبصار، وهذا تمثيل للباطل والحق، فالكافر في ظلمة الكفر والشرك والجهل والعصيان والبطلان لا يبصر اليمين من الشمال، فلا يرجى له الخلاص من المهالك بحال، والمؤمن في نور التوحيد والإخلاص والعلم والطاعة والحقانية بيده الشموع والأنوار أينما سار؛ أي: ولا تستوي الظلمات والنور. وجمع الظلمات مع إفراد النور لتعدد فنون الباطل، واتحاد الحق، يعني أن الحق واحد، وهو التوحيد.

فالموحد لا يعبد إلا الله تعالى، وأما الباطل فطرقه كثيرة، وهي وجوه الإشراك، فمن عابد للكواكب، ومن عابد للنار، ومن عابد للأصنام، ومن عابد للشمس، ومن عابد للملائكة، إلى غير ذلك، فالظلمات كلها لا تجد فيها ما يساوي ذلك النور الواحد.

٢١ - {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (٢١) أي: شدة حر الشمس، قال الأخفش (١): و {لا} في قوله: {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} زائدةٌ، والتقدير: وما يستوي الظلمات والنور، ولا الظل والحرور، والحرور: شدة حر الشمس، قال الأخفش: والحرور لا يكون إلا مع شمس النهار، والسموم يكون بالليل، وقيل: عكسه، وقال رؤبة بن العجاج: الحرور يكون بالليل خاصة، والسموم يكون بالنهار خاصة، وقال الفراء: السموم لا يكون إلا بالنهار، والحرور يكون فيهما. قال النحاس: وهذا أصح، وقال قطرب: الحرور: الحر، والظل: البرد، والمعنى: أنه لا يستوي الظل الذي لا حر فيه ولا أذى، والحر الذي يؤدي، قيل: أراد الثواب والعقاب، وسمي الحر حرورًا مبالغة في شدة الحر؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، وقال الكلبي: أراد بالظل الجنة، وبالحرور النار، وقال عطاء: يعني: ظل الليل وشمس النهار، وقيل: يعني الراحة والشدة.

وإنما قدم الأعمى على البصير (٢)، والظلمات على النور، والظل على الحرور


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.