للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تدل عليه من توحيده، وعظيم سلطانه، وقدرته على خلق الأشياء جميعها، صغيرها وكبيرها، وقد ضرب لهما مثل الأعمى والبصير، ليستبين ذلك الفارق على أتم وجه وأعظم تفصيل، فما الأمثال إلا وسائل للإيضاح، تبيّن للناس المعقولات وهي لابسة ثوب المحسوسات، فيتضح ما انْبَهَم منها، وخفي من أمرها، كما قال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

{وَالَّذِينَ آمَنُوا ...} إلخ؛ أي: وكذلك لا يستوي المؤمنون المطيعون لربهم، والعاصون المخالفون لأمره، ونحو الآية قوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (٢٠)}.

{قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ}؛ أي: ما أقل ما تتذكرون حجج الله، فتعتبرون بها وتتعظون، ولو تذكرتم واعتبرتم .. لعرفتم خطأ ما أنتم عليه مقيمون، من إنكاركم قدرة الله على إحياء من فني من خلقه، وإعادته لحياة أخرى غير هذه الحياة.

٥٩ - ولمّا قرّر الدليل على إمكان وجود يوم القيامة والبعث والنشر .. أردفه الإخبار بأنه واقع لا محالة، فقال: {إِنَّ السَّاعَةَ}؛ أي: إن القيامة، ومر وجه التسمية بها مرارًا {لَآتِيَةٌ} أكّد؛ باللام (١) لأنّ المخاطبين هم الكفار، وجرّد في سورة طه حيث قال: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ}؛ لكون المخبَر ليس بشاك في الخبر. كذا في "برهان القرآن" {لَا رَيْبَ فِيهَا}؛ أي: لا شك في مجيئها لوضوح شواهدها، ومنها ما ذكر بقوله: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ ...} إلخ. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ}؛ يعني الكفار {لَا يُؤْمِنُونَ}؛ أي: لا يصدقون بها لقصور أنظارهم على الظواهر، وقوة اللهم بالمحسوسات، وهذا الكفر والتكذيب طبيعة النفوس، إلا من عصمه الله تعالى، ونظر إلى قلبه بنظر العناية.

والمعنى (٢): أي إن يوم القيامة الذي يحيي الله فيه الموتى للثواب والعقاب لآت لا شك فيه، فايقنوا بمجيئه، وإنكم مبعوثون من بعد مماتكم، ومجازون بأعمالكم، فتوبوا إلى ربكم، واشكروا له جزيل إنعامه، ليدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، وفيها ترون ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.