فالتكرار يراد به التأكيد، والمبالغة في التحذير في ذلك الشيء الذي وقع الاهتمام به، وقيل أيضًا: إنما كرر هذا المعنى؛ لأنه أراد بالآية الأولى قومًا من المنافقين، كان لهم أموالٌ وأولاد عند نزولها، وبالآية الأخرى أقوامًا آخرين منهم.
البحث الثاني: في بيان وجه ما حصل من التفاوت في الألفاظ في هاتين الآيتين، وذلك أنه قال سبحانه وتعالى في الآية الأولى:{فَلَا تُعْجِبْكَ} بالفاء، وقال، هنا:{وَلَا تُعْجِبْكَ} بالواو، والفرق بينهما: أنه عطف الآية الأولى على قوله: {وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} وصفهم بكونهم كارهين للإنفاق، لشدة المحبة للأموال والأولاد، فحسن العطف عليه بالفاء في قوله: فلا تعجبك، وأما هذه الآية فلا تعلق لها بما قبلها، فلهذا أتى بحرف الواو، وقال سبحانه وتعالى في الآية الأولى {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ} بزيادة لا وأسقطها هنا، فقال:{أَوْلَادُهُمْ} والسبب فيه: أن حرف {لا} دخل هناك لزيادة التأكيد في شأن الأولاد، فيدل على أنهم كانوا معجبين بكثرة الأموال والأولاد، وكان إعجابهم بأولادهم أكثر من إعجابهم بأموالهم، وفي إسقاط حرف {لا} هنا دليل على أنه لا تفاوت بين الأمرين، وقال سبحانه وتعالى في الآية الأولى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} بزيادة حرف اللام، وقال هنا:{أَن يُعَذِّبَهُمْ} بإسقاطها وزيادة حرف أن، والسبب في ذلك، التنبيه على أنَّ التعليل في أحكام الله محال، وأنه أينما ورد حرف اللام، فمعناه: أن كقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} ومعناه: وما أمروا إلا بأن يعبدوا الله، وقال أيضًا في الآية الأولى {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بزيادة لفظ الحياة، وقال هنا:{فِي الدُّنْيَا} بإسقاطه، والحكمة في إسقاطه هنا: التنبيه على أن الحياة الدنيا بلغت في الخسة إلى حيث إنها لا تستحق أن تذكر، ولا تسمى حياةً، بل يجب الاقتصار عند ذكرها على لفظ الدنيا، تنبيهًا على كمال دنائتها وخستها، فهذه جمل في ذكر الفرق بين هذه الألفاظ، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
٨٦ - {وَإِذَا أُنْزِلَتْ} عليك يا محمد {سُورَةٌ} من سور القرآن، كلا أو بعضًا