للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم اعلم: أنه إذا عرض أمر في دار من حريق أو هجوم سارق، أو قتل نفس بغير حق، أو ظهور منكر يجب إزالته، فحينئذ لا يجب الاستئذان والتسليم، فإن كان ذلك مستثنى بالدليل، وهو ما قاله الفقهاء: من أن مواقع الضرورات مستثناة من قواعد الشرع؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات. قال صاحب "الكشاف": وكم من باب من أبواب الدين هو عند الناس كالشريعة المنسوخة، قد تركوا العمل بها، وباب الاستئذان من ذلك. اهـ.

٢٨ - {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا}؛ أي: في تلك البيوت {أَحَدًا} ممن يملك الإذن، على أنَّ من لا يمكله من النساء والولدان والعبيد وجدانه كفقدانه، فلا يدخله حتى يأذن له من يملك الإذن، وهو رب الدار، أو لم تجدوا فيها أحدًا أصلًا. {فَلَا تَدْخُلُوهَا} فاصبروا {حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ}؛ أي (١): من جهة من يملك الإذن عند إتيانه، فإن في دخول بيت فيه النساء والولدان اطلاعٌ على العورات، وفي دخول البيوت الخالية اطلاعٌ على ما يعتاد الناس إخفاءه، مع أن التصرف في ملك الغير محظور مطلقًا. والمعنى: إن لم تجدوا في البيوت التي لغيركم أحدًا ممن يستأذن عليه فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم بدخولها من جهة من يملك الإذن.

والظاهر (٢): أنه يجوز للإنسان أن يدخل بيت نفسه من غير استئذان ولا سلام لقوله: {غَيْرَ بُيُوتِكُمْ}.

{وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ}؛ أي: وإن قال لكم أهل البيت الذي تستأذنون فيه، {ارْجِعُوا}؛ أيْ انصرفوا، {فَارْجِعُوا}؛ أي: فاذهبوا ولا تقفوا على أبواب الناس؛ أي: إن أمرتم من جهة أهل البيت بالرجوع، سواء كان الأمر ممن يملك الإذن أم لا، فارجعوا ولا تلحُّوا بتكرير الاستئذان. كما في الوجه الأول، أو لا تلحُّوا بالإصرار على الانتظار على الأبواب إلى أن يأتي الإذن، كما في الثاني. فإنَّ ذلك مما يجلب الكراهة في قلوب الناس، ويقدح في المروءة أيَّ قدحٍ.

{هُوَ}؛ أي: الرجوع والانصراف {أَزْكَى} وأطهر {لَكُمْ} مما لا يخلو عنه


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.