للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عنه، حيث نبّهنا عليه بالآيات والنذر، بل كنا ظالمين بتلك الآيات والنذر، مكذبين بها، أو ظالمين لأنفسنا، بتعريضها للعذاب الخالد بالتكذيب، فليتفكر العاقل من هذا البيان والتذكار، فقد نبّه الله، وقطع الأعذار. وفي الحديث: "يقول الله عن وجل: يا معشر الجن الإنس، إني قد نصحت لكم، فإنما هي أعمالكم في صحفكم، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلّا نفسه".

وعن بعض الحكماء، أنه نظر إلى أناس يترحمون على ميت، خلف جنازته، فقال: لو تترحمون على أنفسكم لكان خيرًا لكم، أما إنه قد مات ونجا من ثلاثة أهوال: أولها رؤية ملك الموت، والثاني مرارة الموت، والثالث خوف الخاتمة.

وصفوة القول (١): إن الناس لا يرجعون إلى الحياة، حتى تزلزل الأرض زلزالها، ويختل نظام هذا العالم، فتموج الأمم في بعض، بتفريق أجزائها، لا فرق بين يأجوج ومأجوج وغيرهما، فذكرهما رمز لاختلال الأرض وخرابها، فكأنه قيل: إنهم لا يرجعون إلى الحياة إلَّا إذا اختل نظام العالم، ورجّت الأرض رجًّا، وماجت الأمم بعضها في بعض، وخرج الكفار من قبورهم شاخصة أبصارهم، من الهول الذي هم فيه.

٩٨ - ثم بيّن سبحانه حال معبوداتهم فقال: {إِنَّكُمْ} يا أهل مكة {وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}؛ أي: والأصنام التي تعبدونها، متجاوزين عبادة الله، وذلك (٢) بدلالة ما، فإنها لما لا يعقل، فخرج عزير وعيسى والملائكة {حَصَبُ جَهَنَّمَ}؛ أي: وقود جهنم، تحصبون فيها، وترمون فتكونون وقودها. وهو بفتح المهملتين، اسم لما يحصب؛ أي: يرمى في النار، فتهيج به، من حصبه إذا رماه بالحصباء، ولا يقال له: حصب إلّا وهو في النار، وأما قبل ذلك، فيقال له: حطب وشجر وخشب ونحو ذلك {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} أي: واردون عليها، وداخلون فيها


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.