قبلها، قيل: هم الملائكة الذين هم خزنة جهنم، ولا يبعد أن يكون القائل لذلك هم الأنبياء على الخصوص، أو المؤمنون على العموم؛ أي: ثم قيل للذين ظلموا أنفسهم، بالكفر بالرسالة والوعد والوعيد، تجرعوا عذاب الله الدائم لكم أبدًا، بحيث لا فناءَ له ولا زوال. والاستفهام في قوله:{هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} في الدنيا من الكفر والمعاصي للإنكار، بمعنى: النفي؛ أي: لا تجزون إلا بما كنتم تكسبون، باختياركم من الظلم والكفر والفساد، في الأرض والعزم، على الثبات عليه، وعدم التحول عنه، وليس في هذا الجزاء شيء من الظلم؛ لأنه أثر لازم لما عملوا، فلم يعودوا أهلًا للكرامة وجوار المولى في جنة الخلد. وكأنه يقال لهم ذلك القول عند استغاثتهم عن العذاب، وحلول النقمة.
٥٣ - ثم حكى الله سبحانه وتعالى عنهم بعد هذه البيانات البالغة، والجوابات عن أقوالهم الباطلة، أنهم أستفهموا تارة أخرى عن تحقق العذاب، فقال؛ {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ}؛ أي: ويستخبرونك يا محمَّد أحق ما تعدنا به من نزول العذاب وقيام الساعة {قُلْ} لم يا محمَّد {إِي وَرَبِّي}؛ نعم، وأقسم لكم بربي {إنه لحق}؛ أي: إن العذاب الذي أعدكم به حق، لا شك فيه {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}؛ أي؛ بفائتين من العذاب؛ لأن من عجز عن شيء فقد فاته، ويقال: أعجزه الأمر: إذا فاته.
والمعني (١): أي ويسألونك أيها الرسول أن تنبئهم عن هذا العذاب الذي تعدهم به في الدنيا والآخرة، أحق أنه سيقع جزاء على ما كنا نكسبه من المعاصي في الدنيا، أم هو إرهاب وتخويف فحسب، قل لهم يا محمَّد: نعم أقسم لكم بربي، إنه لحق واقع ما له من دافع، وما أنتم بواجدي من يوقع العذاب بكم، عاجزًا عن إدراككم وإيقاعه بكم. وإي بكسر الهمزة وسكون الياء، كلمة يجاب بها عن كلام سبق بمعنى نعم، وإي تستعمل في القسم خاصة، كما تستعمل، هل بمعنى، قد فيه خاصة.