فقال:{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ}؛ أي: وما أهلكنا قرية من القرى المهلكة {إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ}؛ أي: إلا بعد إرسالنا إليهم رسلًا ينذرونهم بأسًا، ويخوفونهم عذابنا على كفرهم.
وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف تركت الواو من الجملة بعد {إِلَّا} هنا، ولم تترك منها في قوله: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (٤)}؟
قلتُ: الأصل ترك {الواو}؛ لأن الجملة صفة لـ {قَرْيَةٍ}، وما هنا فقد جاء على الأصل فلا اعتراض. وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف، كما في قوله:{سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}. اهـ "سمين".
قال في "كشف الأسرار": جمع منذرين؛ لأن المراد بهم النبي وأتباعه المظاهرون له.
٢٠٩ - قوله:{ذِكْرَى}: إما مفعول لأجله لـ {مُنْذِرُونَ}؛ أي: تنذرهم لأجل التذكير والموعظة لهم، وإلزام الحجة لهم، وتنبيهًا إلى ما فيه النجاة من عذابنا، أو مفعول مطلق منصوب بـ {مُنْذِرُونَ}؛ لأن التذكرة بمعنى الإنذار؛ أي: يذكرون ذكرى. قال النحاس: وهذا قول صحيح؛ لأن معنى {إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ}: إلا لها مذكرون، أو منصوب بفعل مقدر هو صفة لـ {مُنْذِرُونَ}؛ أي: إلا لها منذرون يذكرونهم ذكرى. وقيل: غير ذلك.
والتعبير (١) عن ذلك بنفي الظالمية مع أن إهلاكهم قبل الإنذار ليس بظلم أصلًا على ما تقرر من قاعدة أهل السنة؛ لبيان كمال نزاهته عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه من الظلم.