للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أخرج البيهقي: أنَّ جاريةً لعليٍّ بن الحسين رضي الله عنها جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يدها، فشجه، فرفع رأسه فقالت: إن الله يقول: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} فقال لها: قد كظمت غيظي قالت: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} قال: قد عفا الله عنك، قالت: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى.

واعلم: أن الإحسان إلى الغير إما بإيصال النفع إليه، وهو الذي عناه الله بقوله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} فيدخل فيه إنفاق العلم بأن يشتغل بتعليم الجاهلين، وهداية الضالين، ويدخل فيه إنفاق المال في وجوه الخيرات والعبادات.

وإما بدفع الضرر عنه، فهو إما في الدنيا بأن لا يقابل الإساءة بإساءة أخرى، وهو ما عناه الله بقوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} وإما في الآخرة بأن يعفو عما له عند الناس من التبعات، والحقوق، وهذا هو المراد بقوله: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} ومن ثم كانت هذه الآية جامعة لوجوه الإحسان إلى الغير.

١٣٥ - {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} هذا (١) مبتدأ خبره {أؤُلَئِكَ} وقيل: معطوف على {المتقين} والأول أولى، وهؤلاء هم صنف دون الصنف الأول، ملحقون بهم، وهم التوابون. أي: والذين إذا فعلوا وارتبكوا فاحشةً أي: ذنبًا قبيحًا، وهو ما يتعدى أثره إلى الغير كالغيبة ونحوها {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}؛ أي: ارتكبوا ذنبًا يكون مقصورًا عليهم، كشرب الخمر ونحوه، وقيل: المراد بالفاحشة الكبائر وبالظلم الصغائر.

وقال ابن عباس (٢): الفاحشة الزنا، وظلم النفس ما دونه من النظر واللمسة. {ذَكَرُوا اللَّهَ}؛ أي: ذكروا وعده ووعيده، وأمره ونهيه، بألسنتهم وعظمته وجلاله وعقابه بقلوبهم {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}؛ أي: فرجعوا إليه تعالى طالبين مغفرته راجين رحمته علمًا منهم أنه لا يغفر الذنوب إلا هو، فهو الفعال


(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.