للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إليهم من عبادنا {إِلَّا مُبَشِّرًا} بالجنة من أطاعنا، فانتهى إلى أمرنا؛ أي: إلا هاديًا {وَنَذِيرًا} أي: ومنذرا لمن عصانا بالعقاب، فهؤلاء الجهال الذين اقترحوا عليك تلك المعجزات، وتمردوا عن قبول دينك، لا شيء عليك من كفرهم.

١٠٦ - {وَقُرْآنًا} منصوب بفعل مضمر يفسره قوله: {فَرَقْناهُ}؛ أي: وأنزلنا عليك قرآنًا فرقناه؛ أي: فصلناه وبيناه، وقيل: فرقنا به بين الحق والباطل، وقيل: معناه أنزلناه نجوما لم ينزل مرة واحدة، بدليل قوله: لتقرأه على الناس، وقد بدىء بإنزاله ليلة القدر، في رمضان، ثمّ أنزل نجوما في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع.

وقرأ الجمهور (١): {فَرَقْناهُ} بتخفيف الراء أي: بينا حلاله وحرامه، قاله ابن عباس، وعن الحسن: فرقنا فيه بين الحق والباطل، وقال الفراء: أحكمناه، وفصلناه كقوله: {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)} وقرأ أبي، وعبد الله، وعليّ وابن عباس، وأبو رجاء، وقتادة، والشعبيُّ وحميد، وعمر بن فائد، وزيد بن عليّ وعمرو بن ذر، وعكرمة، والحسن بخلاف عنه بشد الراء، أي: أنزلناه نجمًا بعد نجم، وفصلناه في النجوم، وقيل: معنى {فرقناه} بالتشديد فرقنا آياته بين أمر، ونهي، وحكم وأحكام، ومواعظ، وأمثال، وقصص وأخبار، مغيبات أتت، وتأتي، وقرأ أبي وعبد الله {فرقناه عليك} بزيادة عليك ثم ذكر سبحانه العلة لقوله: فرقناه فقال: {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ}؛ أي: أنزلناه مفرّقًا لتقرأه على الناس على مكث؛ أي: على مهل، وتأن وتؤدة، شيئًا فشيئًا، فإنه أيسر للحفظ، وأعون على الفهم؛ أي: وحكمة نزوله هكذا بعضه إثر بعض أن تقرأه على الناس بتؤدة وتأن ليسهل عليهم حفظه، ويكون ذلك أعون على تفهم معناه، وقد (٢) اتفق القراء على ضمّ الميم في {مكث} إلا ابن محيصن، فإنه قرأ بفتح الميم، وهما لغتان {وَنَزَّلْناهُ} في ثلاث وعشرين سنة {تَنْزِيلًا} على قانون الحكمة، وحسب الحوادث، وجوابات السائلين، وفائدة قوله: {وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا} بعد قوله: {فَرَقْناهُ}


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.