للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

غيركم، كالتخصيص بتلك الآيات القاهرات؛ فإنه لم يحصل مثلها لأحد من العالمين، وإن كان غيرهم فضلهم بسائر الخصال (١)، مثاله: رجل تعلم علما واحدا، وآخر تعلم علوما كثيرة سوى ذلك العلم، فصاحب العلم الواحد مفضل على صاحب العلوم الكثيرة بذلك الواحد، وفي الحقيقة أن صاحب العلوم الكثيرة مفضل على صاحب العلم الواحد، والمعنى: أأمركم أن تعبدوا ربا يتخذ ويطلب، بل الإله هو الذي يكون قادرا على الإيجاد وإعطاء الحياة، وجميع النعم، والاستفهام فيه للإنكار والتعجيب والتوبيخ.

والخلاصة (٢): أن موسى بدأ جوابه لقومه بإثبات جهلهم بربهم وبأنفسهم، وثنى ببيان فساد ما طلبوه، وكونه عرضة للتبار والزوال؛ لأنّه باطل في نفسه، ثم انتقل إلى بيان أن العبادة لغير الله لا تصح ألبتة، سواء أكان المعبود أفضل المخلوقات كالملائكة والنبيين، أو أخسها كالأصنام، ثم أنكر عليهم أن يكون هو الوساطة في هذا الجعل الذي دعا إليه الجهل، ليعلمهم أن طلب هذا الأمر المنكر منه عليه السلام جهل بمعنى رسالته، وأيد إنكاره لكلا الأمرين بما يعرفون من فضل الله تعالى عليهم، بتفضيلهم على أهل زمانهم، ممن كانوا أرقى منهم مدنية وحضارة، وسعة ملك وسيادة على بعض الشعوب، وهم فرعون وقومه، برسالة موسى وهارون منهم، وتجديد ملة إبراهيم فيهم، وإيتائهما من الآيات ما تقدم ذكره.

١٤١ - ثم ذكر سبحانه وتعالى منته على بني إسرائيل فقال: {وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}؛ أي: واذكروا يا بني إسرائيل قصة وقت إنجائنا إياكم من فرعون وقومه بإهلاكهم بالكلية، حالة كون آل فرعون {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ}؛ أي: يذيقونكم أشد العذاب باستعمالكم في الأعمال الشاقة، وحالة كونهم {يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ} صغارا {وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ}؛ أي: ويبقون بناتكم بلا قتل لاستخدامهن، وجملة {يُقَتِّلُونَ} وما بعدها مفسرة لـ {يَسُومُونَكُمْ}، أو بدل منه {وَفِي ذلِكُمْ}


(١) المراح.
(٢) المراغي.