الإنجاء أو العذاب {بَلاءٌ}؛ أي: إنعام أو ابتلاء {مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} أفلا تتعظون وتنتهون عن قولكم: اجعل لنا إلها؟!.
وحاصل المعنى: واذكروا إذ أنجيناكم - بإرسال موسى وبما أيدناه من الآيات - من آل فرعون الذين كانوا يسومونكم سوء العذاب بجعلكم عبيدا مسخرين لخدمتهم، ويقتلون ما يولد لكم من الذكور، ويستبقون نساءكم لتزدادوا ضعفا بكثرتهن، وفي ذلك العذاب والإنجاء منه - بفضل الله عليكم، وتفضيله إياكم على غيركم من سكان مصر، وسكان الأرض المقدسة التي سترثونها - بلاء عظيم؛ أي: اختبار لكم من ربكم، المدبر لأموركم، ليس هناك اختبار أعظم منه، فلا أجدر بالاعتبار والاستفادة من أحداث الزمان ممن يعطى النعمة بعد النقمة، وأحق الناس بمعرفة الله تعالى، وإخلاص العبادة له، من يرى في نفسه وفي الآفاق ما يوقن به، أنّه لا يمكن أن يكون فيه شركة لغير الله، وإن أعجب العجب أن تطلبوا بعد هذا كله ممن رأيتم على يديه هذه الآيات أن يجعل لكم آلهة من أخس المخلوفات، تجعلونها واسطة بينكم وبين الله تعالى، وهو قد فضلكم عليها وعلى من يعبدونها، ومن هم أرقى منهم.
وقرأ الجمهور:{أَنْجَيْناكُمْ} وفرقة: {نجيناكم}: مشددا، وابن عامر:{أنجاكم}، فعلى قراءة:{أنجاكم}، يكون جاريا على قوله:{وَهُوَ فَضَّلَكُمْ} خاطب به موسى قومه، وفي قراءة النون خاطبهم الله تعالى بذلك، قال الطبري: الخطاب لمن كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلّم تقريعا لهم بما فعل أسلافهم، وبما جاؤوا به، وقرأ نافع:{يقتلون} من قتل الثلاثي، والجمهور {يُقَتِّلُونَ} بالتشديد من قتل المضعف.