للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومجمل معنى الآيتين (١): أي وظهرت لهم قبائح أعمالهم التي عملوها في الدنيا، حين قرؤوا كتب أعمالهم، التي دونتها الحفظة، كي لا يكون لهم حجة إذا نزل بهم العذاب، ثم جُوزوا بما كانوا يهزؤون به في الدنيا، ويقولون: ما هو إلا أوهام وأباطيل، وخرافات قد دونها المبطلون.

ثم ذكر ما يزيد في تعذيبهم، وإلقاء الرعب في قلوبهم، فقال: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ} إلخ؛ أي: وقيل لهم تغليظًا في العقوبة وإمعانًا في التهكم، والسخرية: اليوم نترككم في العذاب، كما تركتم العمل للقاء يومكم هذا، وليس لكم مستنقذ ينقذكم منه، ولا مستنصر يستنصر لكم ممن يعذبكم.

٣٥ - والخلاصة: أنه تعالى جمع لهم ثلاثة ألوان من العذاب: قطع الرحمة عنهم، وجعل مأواهم النار، وعدم وجود الأنصار والأعوان، من قبل أنهم أتوا بثلاثة ضروب من الإجرام: الإصرار على إنكار الدين الحق، والاستهزاء به، والاستغراق في حب الدنيا، وهذا ما عناه سبحانه بقوله: {ذَلِكُمْ} العذاب {بِأَنَّكُمُ}؛ أي: بسبب أنكم {اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى {هُزُوًا}؛ أي: مهزوءًا بها، ولم ترفعوا لها رأسًا بالتفكر والقبول، {وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} حين قلتم: لا بعث ولا حساب، فحسبتم أن لا حياة بعدها {فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا}؛ أي: من النار، والالتفات (٢) فيه من الخطاب إلى الغيبة، للإيذان بإسقاطهم عن رتبة الخطاب، استهانة بهم، أو بنقلهم من مقام الخطاب إلى غيابة النار. وقرأ الجمهور: {لَا يُخْرَجُونَ} مبنيا للمفعول، وقرأ الحسن وابن وثاب وحمزة والكسائي مبنيا للفاعل {وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}؛ أي: ولا هم يطلب منهم العتبى، والرجوع إلى طاعة الله سبحانه ليرضوه؛ أي: ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم؛ أي: يرضوه بالطاعة لفوات أوانه.

والمعنى (٣): أي هذا الذي حل بكم من عذاب الله، بسبب أنكم في الدنيا


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.