للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١) أن اليهودية والنصرانية حدثتنا بنزول التوراة والإنجيل على موسى وعيسى عليهما السلام، وكان إبراهيم قبل موسى بألف سنة، وعيسى بألفين، فكيف يكون عليهما؟ {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}؛ أي: أتدَّعون أن إبراهيم منكم، وعلى دينكم، فلا تعقلون بطلان قولكم، وفساد دعواكم يا معشر اليهود والنصارى حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال؟

وأورد (٢) على هذا التأويل أن الإِسلام أيضًا إنما حدث بعد إبراهيم، وموسى، وعيسى بزمان طويل، وكذلك إنزال القرآن، إنما نزل بعد التوراة والإنجيل، فكيف يصح ما ادعيتم في إبراهيم أنه كان حنيفًا مسلمًا؟ وأجيب عنه: بأن الله عزّ وجلّ أخبر في القرآن بأن إبراهيم كان حنيفًا مسلمًا، وليس في التوراة والإنجيل أن إبراهيم كان يهوديًّا أو نصرانيًّا، فصح وثبت ما ادعاه المسلمون، وبطل ما ادعاه اليهود والنصارى.

٦٦ - {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ} يقرأ إما بألف وبعدها همزة إما محققة أو مسهلة، أو بدون ألف، والهمزة إما محققة أو مسهلة، أو بألف فقط بدون همزة أصلًا، فالقراءات خمسٌ، وكلها سبعية متواترة، أي: انتبهوا أنتم يا معشر اليهود والنصارى. {حَاجَجْتُمْ} وخاصمتم {فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ}؛ أي: فيما وجدتم في كتبكم، وأنزل عليكم بيانه في أمر موسى وعيسى، وادعيتم أنكم على دينهما، وقد أنزلت التوراة. والإنجيل عليكم. {فَلِمَ تُحَآجُّونَ} وتخاصمون {فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ}؛ أي: فيما ليس في كتابكم من أن إبراهيم كان يهوديًّا أو نصرانيًّا. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ} ما كان عليه إبراهيم من الدين {وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ذلك، ثم صرَّح بما فهم من قبل تلويحًا، فقال:

٦٧ - {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا}؛ أي: ما كان إبراهيم على دين اليهودية، ولا على دين النصرانية، فإن اليهودية ملة محرفة عن شرع موسى، وكذلك النصرانية ملة محرفة عن شرع عيسى. {وَلَكِنْ كَانَ} إبراهيم {حَنِيفًا}؛ أي: مائلًا عن الأديان الباطلة كلها إلى الدين الحق القويم {مُسْلِمًا}؛ أي: منقادًا


(١) البيضاوي.
(٢) الخازن.