الذي يخشى أذاه، وليس من حسن التربية ولا من طرق التهذيب أن يريهم أن ذنبهم هين لديه حتى يعجل بإجابة مطلبهم بالاستغفار لهم.
٢ - أن ذنبهم لم يكن موجهًا إليه مباشرة، بل موجه إلى يوسف وأخيه، ثم إليه بالتبع واللزوم إلا أنه ليس من العدل أن يستغفر لهم إلا بعد أن يعلم حالهم مع يوسف وأخيه، ولم يكن يعقوب قد علم بعفو يوسف عنهم واستغفاره.
٣ - أن هذا ذنب كبير وإثم عظيم طال عليه الأمد، وحدثت منه أضرار نفسية وخلقية، وأعمال كان لها خطرها، فلا يمحى إلا بتوبة نصوح تجتث الجذور التي علقت بالأنفس والأرجاس التي باضت وفرخت فيها. فلا يحسن بعدئذ من المربي الحكيم أن يسارع إلى الاستغفار لمقترفها عقب طلبه، حتى كأنها من هينات الأمور التي تغفر ببادرة من الندم، ومن ثم تلبث في الاستغفار لهم إلى أجل، ليعلمهم عظيم جرمهم، ويعلمهم بأنه سوف يتوجه إلى ربه، ويطلب لهم الغفران منه بفضله ورحمته.
٤ - أن حال يوسف معهم كان حال القادر، بل المالك القادر مع مسيء ضعيف لديه عظم جرمه عليه، فلم يشأ أن يكون الغفران بشفاعته ودعائه، فآمنهم من خوف الانتقام تعجيلًا للسرور بالنعمة الجديدة التي جعل الله أمرها بين يديه، وليروا ويرى الناس فضل العفو عند القدرة، وليكون لهم في ذلك أحسن الأسوة. وفي هذا من ضروب التربية أكبر العظة، ولو أخر المغفرة لكانوا في وجل مما سيحل بهم، ولخافوا شر الانتقام، فكانوا في قلق دائم وتبلبل بال واضطراب نفس، فكان توجسهم له عذابًا فوق العذاب الذي هم فيه، ولكن شاءت رحمته بهم أن يجعل السرور عامًّا، والحياة الجديدة حافلة بالاطمئنان وقرة العين، وهكذا شاءت الأقدار وشاء الله أن يكون ذلك، وهو العليم الحكيم.
تأويل رؤيا يوسف من قبل
٩٩ - وقوله:{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ} في محل ضرب فيه يوسف خيامه حين خرج من مصر لتلقي أبيه {آوَى} يوسف وضم {إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ}؛ أي: أباه وخالته