للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أي (١) فقال لصاحبه المؤمن حين حاوره، وراجعه الحديث: أنا أكثر منك مالًا كما ترى، من جنّاتي، وزروعي المختلفة، وأعزّ عشيرةً، ورهطًا تقوم بالذب عني، ودفع خصومي، وتنفر معي عند الحاجة إلى ذلك.

٣٥ - ثم زاد فخرًا على صاحبه المسلم، وأراه عيانًا ما يتمتع به من المناظر البهيجة في تلك الجنان التي لا تفنى في زعمه، وذلك ما أخبر عنه سبحانه بقوله: {وَدَخَلَ} صاحب الجنتين {جَنَّتَهُ}؛ أي: بستانه مع صاحبه المؤمن يطوف به فيها، ويريه حسنها، ويعجبه منها، ويفاخره بها.

وأفرد الجنة (٢) لأن المراد ما هو جنته، وهي ما متّع به من الدنيا تنبيهًا على أنه لا جنّة له غيرها، ولا حظ له في الجنة التي وعد بها المتقون، أو لاتصال كل واحدة من جنتيه بالأخرى، أو لأن الدخول يكون في واحدة فواحدة {وَهُوَ}؛ أي: والحال أنّ صاحب الجنتين {ظالِمٌ لِنَفْسِهِ}؛ أي: ضار لها بعجبه، واعتماده على ماله، وبكفره بالمبدأ والمعاد، وهو أقبح الظلم، كأنه قيل: فماذا قال إذ ذاك؟ {قالَ} صاحب الجنتين استئناف بيانيّ لسبب الظلم، {ما أَظُنُّ} كثيرًا ما يستعار الظن للعلم، لأنّ الظن الغالب يداني العلم، ويقوم مقامه في العادات والأحكام ومنه: المظنة للعلم {أَنْ تَبِيدَ} وتفنى، وتهلك، وتنعدم، من باد إذا ذهب وانقطع {هذِهِ} الجنة يعني جنتيه {أَبَدًا}؛ أي: دهرا فلطول أمله، وتمادي غفلته، واغتراره بمهلته، قال ذلك بمقابلة موعظة صاحبه، وتذكيره، بفناء جنته، والاغترار بها وأمره بتحصيل الباقيات الصالحات.

والأبد: الدهر (٣) كالأمد وانتصابه على الظرف، والمراد هنا: المكث الطويل، وهو مدّة حياته، لا الدوام المؤبّد إذ لا يظنّه عاقل لدلالة الحسّ والحدس على أنّ أحوال الدنيا ذاهبة باطلة.

٣٦ - {وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ}؛ أي: القيامة التي هي عبارة عن وقت البعث


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.