المشركين الضالين، وليكون في خاصة نفسه من الموقنين؛ أي: من زمرة الراسخين في الإيقان، البالغين عين اليقين. وقيل: الواو زائدة، ومتعلق {الْمُوقِنِينَ} محذوف تقديره: من الموقنين بوحدانية الله وقدرته، وقيل: بنبوته ورسالته. واليقين وكذا الإيقان: عبارة (١) عن علم يحصل بسبب التأمل بعد زوال الشبهة؛ لأن الإنسان في أول الحال لا ينفك عن شبهة وشك، فإذا كثرت الدلائل وتوافقت .. صارت سببًا لحصول اليقين والطمأنينة في القلب، وزالت الشبهة عند ذلك.
٧٦ - ثم فصل سبحانه ما أجمله من رؤية ملكوت السموات والأرض، فقال:{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ}؛ أي: إنه سبحانه وتعالى لما بدأ يريه ملكوت السموات والأرض .. كان من أول أمره في ذلك أنه لما جن وأظلم عليه الليل وستر عنه ما حوله من عالم الأرض .. نظر في ملكوت السموات فـ {رَأَى كَوْكَبًا} عظيمًا ممتازًا عن سائر الكواكب بإشراقه وبريقه ولمعانه، وهو كوكب: المشتري الذي هو أعظم آلهة بعض عباد الكواكب من قدماء اليونان والرومان، وهو في السماء السادسة. وقيل: هو الزهرة، وهي في السماء الثالثة، وبالجملة فالكوكب من السبعة السيارة
وكان قوم إبراهيم أئمتهم في هذه العبادة، وهم لهم مقتدون، فلما رآه {قَالَ} إبراهيم {هَذَا} الكوكب {رَبِّي} ومعبودي في زعمكم؛ أي: قال هذا في مقام المناظرة والحجاج لقومه تمهيدًا للإنكار عليهم، فحكى مقالتهم أولًا ليستدرجهم إلى سماع حجته على بطلانها، فأوهمهم أولًا أنه موافق لهم على زعمهم ثم كر عليه بالنقض بانيًا دليله على الحس والعقل {فَلَمَّا أَفَلَ} وغاب وغرب هذا الكوكب واحتجب عنه {قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}؛ أي: لا أحب الأرباب المنتقلين من مكان إلى مكان، المتغيرين من حال إلى حال، المحتجبين