للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إن شئتم آذوهم، وإن شئتم امتنعوا، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الأجر: المودّة في القربى، وقال قتادة: فهو لكم؛ أي: ثمرته وثوابه؛ لأني سألتكم صلة الرحم. {إِنْ أَجْرِيَ} قرأ ابن كثير (١) وحمزة والكسائي بإسكان الياء؛ أي: ما أجر تبليغي وثوابه {إِلَّا عَلَى اللَّهِ} لا على غيره، لأني أطلب ثواب الله تعالى لا عرض الدنيا، {وَهُوَ} سبحانه {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}؛ أي: مطلع يعلم صدقي وخلوص نيتي، وفيه إشارة إلى أنه من شرط دعوة الخلق إلى الله أن تكون خالصة لوجه الله، لا يشوبها طمع في الدنيا دون الآخرة، قال الإِمام الزروقي: الشهيد: هو الحاضر الذي لا يغيب عنه معلوم ولا مرئيّ ولا مسموع.

ومعنى الآية: أي قل لهم يا محمد: إني لا أريد منكم أجرًا ولا عطاءً على أداء رسالة ربي إليك، ونصحي لكم، وأمري بعبادته، إنما أطلب ثواب ذلك من الله تعالى، وهو العلم بجميع الأشياء، فيعلم صدقي وخلوص نيتي، وإذا علم أن الذي حمله على ركوب الصعاب واقتحام الأخطار ليس أمرًا دنيويًا .. ثبت أن الذي حفزه عليها هو أمر الله تعالى له، وقد صدع به: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} وبهذا ثبت أنه نبيّ،

٤٨ - ولما استبان أنه ليس بالمجنون، ولا هو بطالب الدنيا .. عُلِم أن الذي جاء به هبط إليه من السماء، وقذف به الوحي إليه، وأمره أن يبلغه إليهم، كما أشار إلى ذلك بقوله: {قُلْ} يا محمد لمن أنكر التوحيد والرسالة: {إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ} ويرمي {بِالْحَقِّ} أي: بالوحي على من يشاء من عباده؛ أي: يلقي الوحي وينزله على من يجتبيه من عباده، فالاجتباء ليس لعلة، والاصطفاء ليس لحيلة، والمعنى: أنه يبين الحجة ويظهرها للناس على ألسن رسله، أو المعنى: يرمي بالحق الباطل فيدمغه ويزيله.

{عَلَّامُ الْغُيُوبِ} قرأ الجمهور (٢): {عَلَّامُ} بالرفع، والظاهر: أنه خبر ثانٍ لـ {أَنِ}، وقيل: خبر لمبتدأ محذوف، وقيل: بل من الضمير المستكن في {يَقْذِفُ}، وقرأ عيسى بن عمرو ابن أبي إسحاق وزيد بن علي وابن أبي عبلة وأبو حيوة وحرب عن طلحة: بالنصب نعتًا لاسم {إِن}، أو بدلًا منه، أو على المدح، قال الفراء: والرفع في مثل هذا أكثر، كقوله: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤)}


(١) البيضاوي.
(٢) البحر المحيط.