للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٧٩ - {قَالُوا}؛ أي: قال قوم لوط مجيبينَ عليه معرضينَ عمَّا نَصَحَهم به، وأرشدهم إليه، والله {لَقَدْ عَلِمْتَ} يا لوط من قبل {مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ}؛ أي: علمت (١) من قبل أنه ليس لنا في بناتك من حق؛ أي: من رغبة في تزوجهن، فَتَصْرَفنا بعرضهن علينا عما نريده، وقد يكون المعنى: لقد علمت الذي لنا في نسائنا اللواتي تسميهن بناتكَ من حق الاستمتاع، وما نحن عليه معهن، فلا ينبغي عَرْضُك إياهن علينا لتصرفنا عَمَّا نريده؛ أي: ما لنا فيهن من شهوة ولا حاجة، لأنَّ من احتاج إلى شيء، فكأنه حصل له فيه نوعٌ حق، ومعنى ما نسبوه إليه من العلم، أنه قد عَلِمَ منهم المكالَبَة على إتيان الذكور، وشدة الشهوة إليهم، فهم من هذه الحيثية كأنهم لا حَاجةَ لهم إلى النساء، ويُمكِن أن يريدوا أنه لا حَقَّ لنا في نكاحهن؛ لأنه لا ينكحهن، ولا يتزوج بهن إلا مؤمن، ونحن لا نؤمن أبدًا. ومقصودُهم أنَّ نكاح الإناث ليس من عادتنا ومذهبِنا, ولذا قالوا: (علمْتَ) فإنَّ لوطًا كان يعلم ذلك، ولا يعلم عدمَ رغبتهم في بناته بخصوصهن، ويؤيده قوله: {وَإِنَّكَ} يا لوط {لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ}؛ أي: لتعرف حقَّ المعرفة ما نريد من الاستمتاع بالذُّكران، وإننا لا نؤثر عليه شيئًا.

والخلاصة: أنهم أجمعوا أمرهم على فعل ما يريدون، وهو في الحقيقة طلب ما أعد الله لهم في الأزل من قهره، يعني الهلاكَ بالعذاب.

٨٠ - ولما يئس من ارعوائهم عَمَّا هم عليه من الغيِّ {قَالَ} لوط لقومه: حينَ أَبَوا إلا المُضِيَّ لما قد جاؤوا له من طلب الفاحشة، وأيس من أن يستجيبوا له إلى شيء مما عرض عليهم. {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً}؛ أي: لو ثَبَتَ كون قوة لي بكم، وقدرة عليكم، ومنعة منكم بأنصار ينصروني، وأعوان يعينوني عليكم {أو} أنني {آوِي}، وأنضمُّ {إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}؛ أي: عشيرة قويَّة؛ أي: أوَ ثبَتَ لي كون عشيرة قوية تجيرني منكم لحلت بينكم وبين ما جئتم له، تريدونه مني في أضيافي، ولدافعتكم عنهم ومنعتكم منهم. وجواب لو محذوف كما قدرنا، والأنسب بمثل هذا المقام أن تكون (لو) للتمني. فكأنه قال: لو قَوِيَتْ على دَفْعكم، ومقاومتكم بنفسي، أو


(١) المراغي.