للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مدبرًا ولم يعقب، وجاء تشبيهها بالجان، وهو: الصغير من الحيات، في قوله: {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} لما ظهر لها من سرعة الحركة والقوة، لا لصغرها، وقال في آية أخرى {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} والحية: تطلق على الصغيرة والكبيرة، والذكر والأنثى، والجان: الرقيق من الحيات، والثعبان: العظيم منها, ولا تنافي بين تشبيهها بالجان، وبين كونها ثعبانًا؛ لأن تشبيهها بالجان هو في أول حالها، ثم زيدت حتى صارت ثعبانًا، أو شبهت بالجان وهي ثعبان في سرعة حركتها واهتزازها، مع عظم خلقها، قيل: كان لها عرف كعرف الفرس، وصارت شعبتا العصا لها فمًا، وبين لحييها أربعون ذراعًا، أو ثمانون، وعن ابن عباس: انقلبت ثعبانًا تبتلع الصخر والشجر، وعيناها تتقدان، فلما رأى هذا الأمر العجيب الهائل .. لحقه ما يلحق البشر عند رؤية الأهوال والمخاوف، لا سيما هذا الأمر الذي يذهل العقول.

وحكمة انقلابها وقت مناجاته: تأسيسه بهذا المعجز الهائل، حتى يلقيها لفرعون فلا يلحقه ذعر منها في ذلك الوقت، وقد جرت له بذلك عادة وتدريب في تلقي تكاليف النبوة، ومشاق الرسالة،

٢١ - ثم أمره تعالى بالإقدام على أخذها، ونهاه عن أن يخاف منها حيث {قَالَ} سبحانه: استئناف بياني {خُذْهَا}؛ أي: خذ هذه الحية بيمينك {وَلَا تَخَفْ} منها فإنه لما رآها حية تسرع، وتبتلع الحجر والشجر .. خاف وهرب منها، وهذا الخوف مما تقتضيه الطبيعة البشرية حين مشاهدة الأمر الجلل الذي لا يعرف له نظير، ولا يدرك له سبب، ولا ينقص ذلك من جلالة قدره - عليه السلام - قيل: لما قال له ربه لا تخف .. بلغ من طمأنينة نفسه وذهاب الخوف عنه أن أدخل يده في فمها، وأخذ بليحييها {سَنُعِيدُهَا}؛ أي: سنعيد هذه الحية بعد أخذها {سِيرَتَهَا الْأُولَى}؛ أي: إلى هيئتها وحالها الأولى، التي هي الهيئة العصوية، فانتصابه بنزع الخافض، فوضع يده في فم الحية، فصارت عصاً كما كانت، ويده في شعبتيها في الموضع الذي يضعها فيه إذا توكأ، وأراه هذه الآية كيلا يخاف عند فرعون إذا انقلبت حية

٢٢ - {وَاضْمُمْ}؛


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.