للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٥٩ - {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ}؛ أي: إن الذين فرقوا وبددوا وشتتوا دينهم بأن آمنوا ببعض وكفروا ببعض.

قال ابن عباس (١): هم اليهود والنصارى فرقوا دين إبراهيم الحنيف إذ تفرقوا فرقا، وكفر بعضهم بعضا، وأخذوا بعضا وتركوا بعضا كما أخبر بذلك الكتاب الكريم بقوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}.

وقال الحسن: هم جميع المشركين؛ لأن بعضهم عبدوا الأصنام وقالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وبعضهم عبدوا الملائكة وقالوا: إنهم بنات الله، وبعضهم عبدوا الكواكب، فكان هذا تفريق دينهم اه.

وقال أبو هريرة في هذه الآية: هم أهل الضلالة من هذه الأمة، وروي ذلك مرفوعا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، وليسوا منك؛ هم أهل البدع، وأهل الشبهات، وأهل الضلالة من هذه الأمة» أسنده الطبري.

ولا مانع من الجمع بين الآراء (٢)، فإنه تعالى ذكر أهل الكتاب وشرعهم، وأمر من استجاب لدعوة الإسلام بالوحدة وعدم التفرق كما تفرق من قبلهم، كما جاء في سورة آل عمران: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥)} ثم بين أن رسوله بريء من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، كما فعل أهل الكتاب، فهو يحذر من صنيعهم، وينهى عن سلوك طريقهم، فمن اتبع سنتهم في هذا التفريق .. فالرسول بريء منه كما هو بريء من أولئك المفرقين من سالفي الأمم، فعلى (٣) هذا يكون المراد من هذه الآية: الحث على أن تكون كلمة المسلمين واحدة، وأن لا يتفرقوا في الدين، ولا يبتدعوا البدع المضلة. وفي حديث رواه أبو داود والترمذي: «وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة».


(١) ابن كثير.
(٢) المراغي.
(٣) الفتوحات.