للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ حمزة والكسائي (١): {فارقوا دينهم} هنا وفي الروم بألف وهي قراءة علي بن أبي طالب؛ أي: تركوا دينهم وخرجوا عنه. وقرأ باقي السبعة: {فَرَّقُوا} بالتشديد. وقرأ إبراهيم النخعي والأعمش وأبو صالح: {فرقوا} بتخفيف الراء.

{وَكانُوا شِيَعًا}؛ أي: أحزابا وفرقا مختلفة في الضلالة، كل فرقة تشيع وتتبع إماما لها {لَسْتَ} يا محمد {مِنْهُمْ}؛ أي: من تفرقهم، أو من السؤال عن سبب تفرقهم، والبحث عن موجب تحزبهم {فِي شَيْءٍ} من الأشياء، فلا يلزمك من ذلك شيء ولا تخاطب به، إنما عليك البلاغ وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا»؛ أي: نحن براء منه؛ أي: أنت بريء منهم وهم بريئون منك، وهذا على أن المراد من الآية: أهل الأهواء والبدع من هذه الأمة. وأما على القول بأن المراد من الآية: اليهود والنصارى والكفار، فمعناه لست من قتالهم في شيء، ولست مأمورا بقتالهم، فعلى هذا تكون الآية منسوخة بآية السيف.

{إِنَّما أَمْرُهُمْ}؛ أي: جزاؤهم وعقابهم مفوض {إِلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى؛ أي: أنه تعالى هو الذي يجازيهم على مفارقة دينهم، والتفريق له بما اقتضت به سنة الله تعالى من ضعف المتفرقين، وفشل المتنازعين، وتسليط الأقوياء عليهم، وإذاقة بعضهم بأس بعض، كما بين ذلك سبحانه بقوله: {فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا}. {ثُمَّ} بعد أن يعذبهم بأيديهم وأيدي أعدائهم في الدنيا يبعثهم يوم القيامة فـ {يُنَبِّئُهُمْ} ويخبرهم عند الحساب {بِما كانُوا يَفْعَلُونَ} في الدنيا من الاختلاف والتفرق اتباعا للأهواء، ثم يجازيهم على ذلك أشد الجزاء في النار وبئس القرار.

والخلاصة (٢): أن المراد بـ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعًا؛ هم أهل الكتاب، والمقصود من براءة الرسول منهم تحذير أمته من مثل فعلهم؛ ليعلم أن من فعل فعلهم وحذا حذوهم من هذه الأمة .. فالرسول منه بريء؛ إذ ما ورد في الكتاب والسنة من صفات الكفار وأفعالهم ليس خاصا بهم، بل إذا اتصف


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.