للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): واطلبوا من ربكم المغفرة مما أنتم عليه من عبادة الأوثان، وبَخْسِ الناسِ حُقُوقَهم في المكيال والميزان, ثم ارجعوا إلى طاعته، والانتهاء إلى أمره ونهيه، وقوله: {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} تعليل لما قبله من الأمر بالاستغفار، والتوبة؛ أي: إن ربّي رحيم بمَنْ تَابَ، وأناب إليه لا يعذّبه بعد التوبة، كثيرَ الود والمحبة، فيحب من يتوب ويرجع إليه. وفي الآية إرشاد إلى أنَّ النَدَمَ على فعل الفساد والظلم بالتوبة، واستغفار الرب سبحانه وتعالى من أسباب خير الدنيا وخَير الآخرة.

٩١ - وقوله: {قَالُوا}؛ أي: قال قوم شعيب استئناف بياني {يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ} الفقه: معرفةُ غرضِ المتكلم من كلامه؛ أي: لا نعرفُ ولا نَفْهَمُ {كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ}؛ أي: كُلّ ما تقول من التوحيد، ومن إيفاء الكيل والوزن، وغير ذلك؛ قالوا ذلك استهانةً بكلامه، واحتقارًا به، كما يقول الرجل لصاحبه إذا لم يَعْبَأ بحديثه: ما ندري ما تقول، وإلا فشعيب كان يخاطبهم بلسانهم، وهم يَفْهَمُونه كلامَهُ، لكن لمَّا كان دعاؤه إلى شيءٍ خلاف ما كانوا عليه وآباءهم قالوا ما قالوا.

والمعنى: أي ما نعلم (٢) حقيقة كثير مما تقول لنا وتخبرنا به من بطلان عبادة آلهتنا، وقبح حرية التصرف في أموالنا، ومجيء عذاب يحيط بنا، وإصابتنا بمثل الأحداث التي أصابَتْ مَنْ قَبْلَنَا كان أمرها بيدك يصيب بها ربك من يشاء لأجلك.

وقيل المعنى (٣): أنك تأتينا بما لا عَهْدَ لنا به من الإخبار بالأمور الغيبية، كالبعث والنشور، ولا نَفقه ذلك؛ أي: لا نَفْهَمُه، كما نفهم الأمور الحَاضِرَةَ المشاهدةَ فيكون نفي الفقه على هذا حقيقةً لا مجازًا، وقيل: قالوا ذلك إعراضًا عن سماعه، واحتقارًا لكلامه مع كونه مفهومًا لديهم معلومًا عندهم، فلا يكون نفي الفقه حقيقةً بل مجازًا كما مر.

{وَإِنَّا لَنَرَاكَ} يا شعيب {فِينَا}؛ أي: فيما بيننا {ضَعِيفًا}؛ أي: لا قوةَ لكَ ولا قدرةَ على شيء من الضر والنفع، تقدر بها على أن تمنع نَفْسَكَ منا، وتتمكن بها من مخالفتنا, ولا تستطيع أن تمتنع منا، إن أردنا أن نَبْطِشَ بك،


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني
(٣) روح المعاني.