للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعنى ذلك أنه ليست لك قوَّةُ جسمانية، أو المعنى: كنتَ مَهِينًا ذليلًا فينا لا عِز لك، ولا شرفَ عندَنا، وهذا لا يتعلق بالقوة الجسمانية، فإن ضعيفَ الجسم قد يكون وافرَ الحرمة بين الناس، وهو الظاهر؛ لأنَّ الكفَرةَ كانوا يزدرون بالأنبياء، وبأتباعهم المؤمنين. وقيل: إنه كان مصابًا ببصره. قال النحاس: وحكى أهل اللغة أن حمير تقول للأعمى: ضعيف؛ أي: قد ضَعف بذهاب بصره، كما يقال له: ضرير، أي: قد ضر بذهاب بصره.

{وَلَوْلَا رَهْطُكَ}؛ أي: ولولا حرمة قومك، ومراعاةُ جانبهم، وقالوا: ذلك كرامةً لقومه, لأنهم كانوا على دِينهم لا خوفًا, لأن الرهط من الثلاثة إلى السبعة، أو التسعة، أو العشرة، وهم ألوفٌ فكيف يخافون منْ رهطه؛ أي: ولولا عشيرتك الأقربون {لَرَجَمْنَاكَ}؛ أي: لقَتَلْناك برمي الحجارة، حتى تُدْفن فيها، وقد يُوضَع الرجم موضع القتل، وإن لم يكن بالحجارة من حيثُ إنه سببه، ولأنَّ أوَّلَ القتل لبني آدم، وهو قتلُ قابيلَ لهابيل، لمَّا كان بالحجارة سَمَّى كُلَّ قتلٍ رَجَمًا, وإن لم يكن بها.

وقال عمر رضي الله عنه (١): تَعلَّموا أنْسَابَكُم، تعرفوا بها أصولَكم، وتصلوا بها أرحامكم؛ قالوا: ولو لم يكن في معرفة الأنساب إلا الاحتراز بها من صولة الأعداء ومنازعة الأكفاء .. لكان تَعَلُّمها من أحزم الرأي، وأفضل الصواب، ألا ترى إلى قول قوم شعيب: ولولا رهطك .. لرجمناك فأبْقَوا عليه لرهطه، يقال: أبقيتُ لفلان إذا أرعيت عليه ورحمته.

ثم أكدوا ما وصفوه به من الضعف بقولهم: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}؛ أي: وما (٢) أنت بذي عزة، ومنعة تحول بيننا وبين رجمك، وإنما نعزُّ رَهطَك على قلتهم؛ لأنهم منَّا، وعلى ديننا الذي نبذتَه وَراء ظهرك، وأهَنْته ودعوتنا إلى تركه لبطلانه في زعمك. والمعنى: أي: وما أنت بمكرم محترم حتى تمنعنا عزتك من رجمك، بل رهطُك هم الأعزة علينا، لكونهم من أهل ديننا، فإنما نكف عنك


(١) روح المعاني.
(٢) المراغي.