للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نزلت هذه السورة، وهذه الآيات أول ما نزل في التفرقة بين المنافقين والمؤمنين في القتال. {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} الذين يسارعون إلى طاعته؛ أي: والله عليم بمن خافه فاتقاه باجتناب ما يسخطه، وفعل ما يرضيه بالمسارعة إلى طاعته في عدوه، وجهادهِ بماله ونفسه، وليس من دأبهم أن يستأذنوا بالتخلف كراهيةً للقتال. وفي (١) الآية إيماء إلى أنه لا ينبغي الاستئذان في أداء شيء من الواجبات ولا فضائل العادات كقرى الضيف، وإغاثة الملهوف، وسائر أعمال المعروف.

٤٥ - ثم صرح بما فهم من الكلام السابق زيادة في التوكيد والتقرير، فقال: {إنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ} يا محمَّد في التخلف عن الجهاد معك من غير عذر {الَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ} ولا يصدقون {بِاللهِ}؛ أي: بتوحيده (و) لا بـ {اليوم الآخر} وهم المنافقون، فهؤلاء يرون بذل المال مغرمًا يفوت عليهم بعض المنافع، وهم لا يرجون ثوابًا عليه كما يرجو المؤمنون، ويرون الجهاد بالنفس آلامًا ومتاعب، وذكر (٢) الإيمان بالله أولًا، ثم باليوم الآخر ثانيًا في الموضعين؛ لأنهما الباعثان على الجهاد في سبيل الله، قوله: {وَارْتَابَت قُلُوبُهُمْ} عطف على الصلة في قوله: {الَذَينَ لَا يُؤمِنُونَ} وجاء بالماضي، للدلالة على تحقق الريب في قلوبهم، وهو الشك، وأنما أضاف (٣) الشك والارتياب إلى القلب؛ لأنه محل المعرفة والإيمان أيضًا، فإذا دخله الشك، كان ذلك نفاقًا؛ أي: إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، وارتابت قلوبهم؛ أي: شكت قلوبهم في الدين {فَهُمْ} حال كونهم {في رَيْبِهِمْ} وشكهم المفرق قلوبهم {يتَرَدَّدُونَ}؛ أي: يتحيرون لا مع الكفار ولا مع المؤمنين.

والمعنى: فهؤلاء الذين يستأذنونك ليسوا بمؤمنين، بل كانوا مرتابين حائرين، لا يهتدون إلى طريق الصواب، ولا يعرفون الحق، فلم تطمئن به قلوبهم، ولم تذعن له نفوسهم فهم متحيرون في أمرهم، مذبذبون في عملهم، يوافقون المؤمنين فيما سَهلَ أداؤه من عبادات الإِسلام، من صلاة وصيام،


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) الخازن.