للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نذير، وتحذرهم بأس الله، وشديد عقابه على إشراكهم به، وعبادتهم الأوثان والأنداد، لعلهم يرجعون عن غيِّهم، ويتذكرون عظيم خطئهم، وكبير جرمهم، فينيبوا إلى ربهم، ويقروا بوحدانيته، ويفردوه بالعبادة دون سواه من الآلهة.

٤٧ - ثم ذكر الحكمة في إرسال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إليهم وأن في ذاك قطعًا لمعذرتهم، حتى إذا جاءهم بأسنا لم يجدوا حجة، فقال: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ}؛ أي: أهل مكة، والمصيبة العقوبة {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}؛ أي: بما اقترفوا من الكفر والمعاصي، وأسند (١) التقديم إلى الأيدي, لأنها أقوى ما يُزاول به الأعمال، وأكثر ما يُستعان به في الأفعال.

{فَيَقُولُوا} عند رؤية العذاب، عطف على {تُصِيبَهُمْ}، داخل في حيِّز {لَوْلَا} الامتناعية، على أن مدار امتناع ما يُجاب به هو امتناعه، لا امتناع المعطوف عليه، وإنما ذُكر في حيِّزها للإيذان بأنه السبب الملجىء لهم إلى قولهم، وجواب {لَوْلَا} محذوف، تقديره: ولولا قولهم: {رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ} عند إصابة المصيبة إياهم، بسبب ما قدمت أيديهم في الدنيا موجود لما أرسلناك إليهم، أو لعاجلناهم بالعقوبة بسبب كفرهم، وكلمة {لَوْلَا} في قوله: {رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا} هي التحضيضية، بمعنى هلا، {رَسُولًا}، مؤيدًا من عندك بالآيات، {فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ} الظاهرة على يده، وهو جواب {لَوْلَا} الثانية {وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بها، وجواب {لَوْلَا} الأولى محذوف ثقة بدلالة الحال عليه.

والمعنى (٢): لولا قولهم هذا عند إصابة عقوبة جناياتهم التي قدموها ما أرسلناك، لكن لما كان قولهم ذلك محققًا لا محيد عنه، أرسلناك قطعًا لمعاذيرهم بالكلية، وإلزامًا للحجة عليهم.

وعبارة النسفي هنا: {لَوْلَا} الأولى امتناعية وجوابها محذوف، والثانية تحضيضية، والفاء الأولى للعطف، والثانية جواب لولا التحضيضية، لكونها في


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.