الجمع اتباع؛ أي: الشهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام. {قِصَاصٌ}؛ أي: يجري فيه قصاص وبدل؛ أي: فكما هتكوا حرمة شهركم بالصد والقتال .. فافعلوا بهم مثله، وادخلوا عليهم عنوة فاقتلوهم إن قاتلوكم، ولا تبالوا بالحرمات كما قال:{فَمَنِ اعْتَدَى}؛ أي: تعدى {عَلَيْكُمْ} بالقتال في الحرم أو الإحرام، أو الشهر الحرام {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ}؛ أي: جازوه {بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}؛ أي: بعقوبة مثل الجناية التي اعتدى عليكم بها، سمى المجازاة اعتداء للمشاكلة، وكان مقتضى الظاهر أن يقال: فمن اعتدى عليكم فقابلوه وجازوه بمثل ما اعتدى عليكم به {وَاتَّقُوا اللَّهَ}؛ أي: خافوا الله في الانتصار ممن اعتدى عليكم، فلا تعتدوا إلى ما لم يرخص لكم فيه. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} بالنصر والحفظ فيحرسهم ويصلح شأنهم.
والحاصل: أنه لما أباح لهم الاقتصاص بالمثل، وشأن النفس حب المبالغة في الانتقام .. حذرهم من ذلك فقال:{وَاتَّقُوا اللَّهَ}.
١٩٥ - {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: وابذلوا أموالكم وأنفسكم في طاعة الله ومراضيه سواء الجهاد وغيره، فالإنفاق (١): صرف المال في وجوه المصالح الدينية، كالإنفاق في الحج والعمرة، وصلة الرحم والصدقة، وفي الجهاد وتجهيز الغزاة، وعلى النفس والعيال وغير ذلك مما فيه قربة إلى الله تعالى؛ لأن كل ذلك مما هو في سبيل الله، لكن إذا أطلقت هذه اللفظة .. انصرفت إلى الجهاد {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ}؛ أي: ولا توقعوا ولا تطرحوا أنفسكم {إِلَى التَّهْلُكَةِ}؛ أي: إلى الهلاك، وعبر بالأيدي عن الأنفس اكتفاء بالجزء الأهم؛ لأن بها البطش والحركة؛ أي: لا تلقوا أنفسكم إلى الهلاك بالإسراف وتضييع وجه المعاش، أو بالكف عن الغزو والإنفاق فيه؛ لأن به يقوى العدو، وتكثر المصائب في الدين والذل لأهله كما هو مشاهد، ومن أنفق أمواله ونفسه في سبيل الله .. فقد ألقى نفسه إلى العز الدائم في الدنيا والآخرة.