البحت، وهو أنهم وجدوا آباءهم كذلك؛ أي: يفعلون هذه العبادة لهذه الأصنام مع كونها بهذه الصفة التي هي سلب السمع والنفع والضر عنها، وهذا الجواب هو العصي التي يتوكأ عليها كل عاجز، ويمشي بها كل أعرج، ويغتر بها كل مغرور، وينخدع لها كل مخدوع.
٧٥ - وفي الآية: دليل على إبطال التقليد في الدين وذمه، ومدح الأخذ بالاستدلال {قَالَ} إبراهيم متبرئًا من الأصنام {أَفَرَأَيْتُمْ} والهمزة فيه للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف. ورأى؛ إما بصرية تتعدى لمفعول واحد، أو علمية بمعنى عرف تتعدى لمفعول واحد أيضًا، والتقدير: أنظرتم فأبصرتم، أو تأملتم فعلمتم
٧٦ - {مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦)}؛ أي: الأولون حق الإبصار، أو حق العلم، فإن الباطل لا ينقلب حقًا بكثرة فاعليه، وكونه دأبًا قديمًا، و {مَا} موصولة عبارة عن الأصنام،
٧٧ - و {الفاء} في: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} تعليلية؛ أي: فأنا لا أعبدها؛ لأنها عدو لي؛ أي: هل تأملتم ما كنتم تعبدونه أنتم وآباؤكم، فعلمتم أنها لا تنفع ولا تضر، ولا تستحق العبادة، وأنا لا أعبدها معكم؛ لأنها عدو لي إلا رب العالمين. وقيل: أرأيتم بمعنى أخبروني؛ أي: أخبروني عن حال ما كنتم تعبدون هل هي تنفع، أو تضر، أم لا، أو أخبروني ما كنتم تعبدون هل هو حقيق بالعبادة أم لا، وهذا استهزاء بعبدة الأوثان.
أي: لم تنظروا ولم تقفوا على حالها أنها لا تنفع ولا تضر، ولو وقفتم على حالها ما عبدتموها، فاعلموا أن الأصنام أعداء لعابديهم؛ لما أنهم يتضررون بهم يوم القيامة فوق ما يتضرر الرجل من عدوه، فسمى الأصنام أعداء، وهي جمادات على سبيل الاستعارة، وصور الأمر في نفسه حيث قال:{عَدُوٌّ لِي} لا لكم تعريضًا لهم، فإنه أنفع في النصح من التصريح، وإشعارًا بأنها نصيحة بدأ بها نفسه ليكون أدعى إلى القبول. وقال الفراء: هو من المقلوب، ومعناه: فإني عدو لهم، فإن من عاديته عاداك، وأفرد العدو؛ لأنه يطلق بلفظه كالصديق على المفرد والمثنى والجمع والمذكر؛ لأنه في الأصل مصدر، أو بمعنى النسب؛ أي: ذووا