ما لا ينفعك ولا يضرك فإنك في عداد الظالمين لأنفسهم، والمقصود من هذا الخطاب التعريض بغيره، - صلى الله عليه وسلم -، والمعنى؛ أي: فإن فعلت هذا ودعوت غيره كنت في هذا الحال من الذين ظلموا أنفسهم، ولا ظلم لها أكبر من الشرك باللهِ تعالى، فدعاؤه وحده أعظم العبادات، ودعاء غيره شرك وظلم للنفس، لإضافة التصرف إلى ما لا يصدر منه، فهو وضع للشيء في غير موضعه.
١٠٧ - ثم أكد سبحانه وتعالى المعنى السالف ودحض شبهة الذين يدعون غير الله؛ لأنهم طالما استفادوا من دعائهم والاستغاثة بهم فشفيت أمراضهم وكشف الضر عنهم فقال:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ}؛ أي: وإن يصبك الله سبحانه وتعالى أيها الإنسان {بِضُرٍّ} كمرض يصيبك، بمخالفة سننه في حفظ الصحة أو نقص في الأموال والثمرات، بأسباب لك فيها عبرة، أو ظلم يقع عليك من غيرك .. {فَلَا كَاشِفَ} ولا رافع {له}؛ أي: لذلك الضر {إِلَّا هُوَ} سبحانه وتعالى، بل هو المختص بكشفه كما اختص بإنزاله، وقد جعل الله سبحانه للأشياء أسبابًا يعرفها خلقه بتجاربهم، ككشف الأمراض بمعرفة أسبابها. ومعرفة خواص العقاقير التي يتداوى بها، فعلينا أن نطلبها من الأسباب ونأتي البيوت من الأبواب، ونتوجه إلى الله وحده وندعوه مخلصين له متوكلين عليه.
{وَإِنْ يُرِدْكَ} ربك أيها الإنسان {بِخَيْرٍ}؛ أي: برخاء ونعمة وعافية {فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ}؛ أي: فلا يقدر أحد أن يحول بينك وبين فضله الذي تعلقت به إرادته تعالى، فما شاء كان حتمًا، فلا يُرجى خير ولا نفع إلا من فضله، ولا يخاف رد ما يريده فهو {يُصِيبُ بِهِ}؛ أي: بفضله {مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} بكسب أو بغير كسب، وبسبب ما قدره في السنن العامة، وبغير سبب ففضله تعالى على عباده عام بعموم رحمته، بخلاف الضر فإنه لا يقع إلا بسبب من الأسباب الخاصة بكسب العبد، أو العامة في نظام الخلق، كالأمراض التي تعرض بترك أسباب الصحة والوقاية، جهلًا أو تقصيرًا، وفساد العمران وسقوط الدول الذي يقع بترك العدل، وكثرة الظلم. {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {الْغَفُورُ} لذنوب من تاب، وأناب من عباده، من كفره وشركه إلى الإيمان به، وطاعته {الرَّحِيمُ} بمن آمن به منهم، فلا يعذبه بعد التوبة، ولولا مغفرته الواسعة ورحمته العامة، لأهلك الناس جميعًا