للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إعراضه بعدم التصديق .. فعذابه بالتأبيد، وإلا فبقدر جريمته إن لم يغفر له.

وقرأ الجمهور (١): {نسلكه} بالنون مفتوحة من سلكه الثلاثي. وقرأ الكوفيّون وأبو عمرو في رواية عنه بالياء التحتية من سلك الثلاثي أيضًا. واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله: {عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ}، ولم يقل: عن ذكرنا. وقرأ مسلم بن جندب، وطلحة بن مصرف، والأعرج {نسلكه} بالنون المضمومة من أسلكه الرباعي، وبعض التابعين بالياء من أسلك أيضًا. وهما لغتان سلك وأسلك. وقرأ الجمهور (٢): {صَعَدًا} بفتحتين، وهو مصدر صعد المكسور، يقال: صعد صعدًا وصعودًا، فوصف به العذاب مبالغةً؛ لأنه يتصعّد المعذب؛ أي: يعلوه ويغلبه فلا يطيقه. قال أبو عبيد: الصعد مصدر؛ أي: عذابًا ذا صعد؛ أي: مشقة. وقال عكرمة: الصعد هو صخرة ملساء في جهنم، يكلّف صعودها، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم كما في قوله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (١٧)}. والصعود العقبة الكؤود. وروي: أنّ {صَعَدًا} جبل في النار إذا وضع عليه يديه أو رجليه ذابتا، وإذا رفعهما عادتا. وقرأ قوم (٣) {صعدا} بضمّتين. وقرأ ابن عباس والحسن بضمّ الصاد وفتح العين، قال الحسن: معناه: لا راحة فيه.

١٨ - وقرأ الجمهور: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} بفتح الهمزة عطفًا على قوله: {أَنَّهُ اسْتَمَعَ}؛ أي: وأوحي إليّ أن المساجد مختصة بالله تعالى وبعبادته خصوصًا المسجد الحرام، ولذلك قيل: بيت الله فالمراد بالمساجد (٤): المواضع التي بنيت للصلاة فيها وذكر الله، ويدخل فيها البيوت التي يبنيها أهل الملل للعبادة نحو: الكنائس والبيع ومساجد المسلمين. ثم هذا لا ينافي أن تضاف المساجد وتنسب إلى غيره تعالى بوجه آخر إما لبانيها كمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو لمكانها كمسجد بيت المقدس إلى غير ذلك من الاعتبارات. وأعظم المساجد حرمة المسجد الحرام، ثم مسجد المدينة، ثم مسجد بيت المقدس، ثم الجوامع، ثم مساجد المحال، ثم مساجد الشوارع، ثم مساجد البيوت. وقال الحسن: أراد بها كل البقاع؛ لأنَّ الأرض كلها مسجد، وكأنه أخذ مما في الحديث الصحيح: "جُعلت لي


(١) البحر المحيط والشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
(٤) روح البيان.