للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأرض مسجدًا وطهورًا".

وقال سعيد بن المسيب وطلق بن حبيب: أراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها العبد، وهي: القدمان، والركبتان، واليدان، والجبهة. يقول: هذه أعضاء أنعم الله بها عليك، فلا تسجد بها لغيره فتجحد نعمة الله، وكذا قال عطاء. وقيل: المساجد هي الصلاة؛ لأنّ السجود من جملة أركانها، قاله الحسن أيضًا. وقال الخليل: معنى الآية؛ ولأن المساجد لله فلا تدعوا الخ، أي: لهذا السبب، وكذلك عنده {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣)} {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} أي: ولأن هذه.

وقرأ ابن هرمز وطلحة (١): {وإن المساجد} بكسر الهمزة على الاستئناف وعلى تقدير الخليل فالمعنى: فلا تدعوا مع الله أحدًا في المساجد؛ لأنها لله خاصة ولعبادته.

والفاء: في قوله: {فَلَا تَدْعُوا}؛ أي: لا تعبدوا فيها. {مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} للسببية؛ أي: لا تجعلوا أحدًا غير الله شريكًا لله في العبادة، فإذا كان الإشراك مذمومًا فكيف يكون حال تخصيص العبادة بالغير.

والمعنى: أي قل أوحي إليَّ أنّه استمتع نفر من الجنّ، وأن المساجد لله، فلا تعبدوا فيها أحدًا غير الله تعالى كائنًا ما كان، ولا تشركوا به فيها شيئًا. وعن قتادة: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله معبودات أخرى لهم، فأمرنا بهذه الآية أن نخلص لله تعالى الدعوة إذا دخلنا المساجد.

قال بعض أهل المعرفة (٢): إنما تبرأ الله سبحانه عن الشريك؛ لأنّه عدم والله وجود، فتبرّأ من العدم الذي لا يلحقه؛ إذ هو واجب الوجود لذاته، والله تعالى مع الخلق، وما الخلق مع الله؛ لأنّه تعالى يعلمهم وهم لا يعلمونه فهو تعالى معهم أينما كانوا في ظرفية أمكنتهم وأزمنتهم وأحوالهم، وما الخلق معه تعالى فإنهم لا يعرفونه حتى يكونوا معه، ولو عرفوه من طريق الإيمان وهم كانوا كالأعمى يعلم أنه جليس زيد، ولكن لا يراه فهو كأنّه يراه انتهى.


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.