للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العجيبة .. يقدر على إعادة ما أنشاه أولًا، فإذا كان كذلك، فالمناسب في ترتيب الإقسام بالأمور المتباينة أن يقدم ما هو أدل عى كمال القدرة، فالرياح أدلّ عليها بالنسبة إلى السحب، لكون الرياح أسبابًا لها، والسحب لغرابة ماهيّتها، وكثرة منافعها، ورقّة حاملها الذي هو الرياح، أدلّ عليه بالنسبة إلى السفن، وهذه الثلاثة أدل عليه بالنسبة إلى الملائكة الغائبين عن الحسّ، إذ الخصم ربّما ينكر وجود من هو غائب عن الحسّ، فلا يتمّ الاستدلال، وهذا على كون الترتيب على طريق التدلّي والتنّزل، ويصح أن يكون على طريق الترقّي، لما في كل منها من الصفات التي تجعلها أعلى من وجه، وأدنى من وجه آخر، فالملائكة المدبرات أعظم وأنفع من السفن، وهي باعتبار أنها بيد الإنسان يتصرّف فيها كما يريد، ويسلم بها من المهالك أنفع من السحب، والسحب لما فيها من الأمطار أنفع من الرياح. اهـ ملخصًا من "زاده" و"الشهاب".

وفي "الخازن": {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤) يعني: الملائكة، يقسّمون الأمور من الأرزاق، والأمطار، وغيرهما بين الخلق على ما أمروا به، وقيل: هم أربعة كما مرّ، فجبريل صاحب الوحي إلى الأنبياء، الأمين عليه، وصاحب الغلظة، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة، وإسرافيل صاحب الصور واللوح، وعزرائيل صاحب قبض الأرواح، وقيل: هذه الأوصاف الأربعة في الرياح، كما مرّ؛ لأنّها تنشىء السحاب وتثيره، ثمّ تحمله وتنقله، ثمّ تجري به جريًا سهلًا، ثم تقسم الأمطار بتصريف السحاب، أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لشرف ذواتها، ولما فيها من الدلالة على عجيب صنعته وقدرته.

والمعنى: أقسم بالذاريات وبهذه الأشياء، وقيل: فيه مضمر، كما مرّ تقديره: أقسم برب الذاريات.

٥ - ثمّ ذكر جواب القسم، فقال: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥)} و {ما} (١): إما موصولة والعائد: محذوف؛ أي: إنّ الذي توعدونه من البعث والحساب، أو من


(١) روح البيان.