للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأثابه الله تعالى بذلك جناحين في الجنة، يطير بهما حيث شاء، ولذلك قيل له: جعفر الطيار، وهكذا شأن من هو صادق في دعواه فليخفف ألم البلاء عنك علمك بأن الله تعالى هو المبتلي، لكن هذا العلم إذا لم يكن من مرتبة المشاهدات لا يحصل التخفيف التام، فحال السحرة كانت حال الشهود والجذبة، وكان حال عمر - رضي الله عنه - حين الإيمان كحال السحرة، وبالجملة أن الإيمان وسيلة الإحسان, فمن سعى في إصلاح حاله في باب الأعمال أوصله الله تعالى إلى ما أوصل إليه أرباب الأحوال، كما قال عليه السلام: "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم".

٥٢ - {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى} بعد ثلاثين سنة {أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} أي: بمن آمن معك من بني إسرائيل، والإيحاء: إعلام في خفاء، ويقال: سرى يسري سُرًى إذا سار ليلًا، كما سيأتي في مبحث التصريف، وسماهم عباده؛ لأنهم آمنوا بموسى وبما جاء به، والمعنى (١): وقلنا لموسى بطريق الوحي: يا موسى اذهب ببني إسرائيل بالليل، وسر بهم حتى تنتهي إلى بحر القلزم، فيأتيك هناك أمري فتعمل به، وذلك بعد سنين أقام بين أظهرهم يدعوهم إلى الحق، ويظهر لهم الآيات، فلم يزيدوا إلا عتوًا وفسادًا وعلم الانتهاء إلى البحر من الوحي؛ إذ من البعيد أن يؤمر بالمسير ليلًا وهو لا يعرف جهة الطريق، ومن قول جبريل حين خرجوا من مصر: موعد ما بيني وبينك يا موسى البحر؛ أي: شط بحر القلزم. تقدم (٢) الخلاف في {أَسْرِ}، وأنه قرىء بوصل الهمزة، وبقطعها في سورة هود، وقرأ اليماني: {أن سر} أمر من سار يسير. وجملة قوله: {إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ}؛ أي: يتبعكم فرعون وجنوده تعليل للأمر بالإسراء؛ أي: أسر بهم حتى إذا اتبعوكم مصبحين كان لكم تقدم عليهم بحيث لا يدركونكم قبل وصولكم إلى البحر، بل يكونون على أثركم حين تدخلون البحر، فيدخلون مداخلكم، فأطبقه عليهم فأغرقهم.


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.