للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السحر، واعتقدناه من الكفر من أجل أن كنا أول من آمن من الجماعة الذين شهدوا هذا الموقف انقيادًا للحق، وإعراضًا عن زخرف الدنيا وزينتها.

وقرأ الجمهور (١): {أن كنا} بفتح الهمزة، وفيه الجزم بإيمانهم، وقرأ أبان بن تغلب وأبو معاذ {إن كنا} - بكسر الهمزة - قال صاحب "اللوامح": على الشرط، وجاز حذف الفاء من الجواب؛ لأنه متقدم، وتقديره: إن كنا أول المؤمنين فإنا نطمع، وحسن الشرط لأنهم لم يتحققوا مآلهم عند الله تعالى من قبول الإيمان. انتهى وهذا التخريج على مذهب الكوفيين وأبي زيد والمبرد حيث يجيزون تقديم جواب الشرط عليه، ومذهب جمهور البصريين أن ذلك لا يجوز، وجواب مثل هذا الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه. وقال البيضاوي (٢): وقرىء {إن كنا}: على الشرط لهضم النفس وعدم الثقة بالخاتمة، أو على طريقة المدل بأمره: إن أحسنت إليك فلا تنس حقي اهـ.

تنبيه: قوله تعالى: {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (٥٠)} قاله هنا بحذف (٣) لام التأكيد، وفي الزخرف قاله بإثباتها {لَمُنْقَلِبُونَ} فإن قلت: فما الفرق بين الموضعين؟

قلت: لأن ما هنا كلام السحرة حين آمنوا, ولا عموم فيه، فناسب عدم التأكيد، وما في الزخرف عام لمن ركب سفينة أو دابة فناسبه التأكيد.

قال ابن عطاء (٤): من اتصلت مشاهدته بالحقيقة احتمل معها كل وارد عليه من محبوب أو مكروه، ألا ترى أن السحرة لما صحت مشاهدتهم كيف قالوا: {لَا ضَيْرَ}.

وكان جعفر ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - آخذ اللواء في بعض الغزوات بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضده حتى قتل، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة،


(١) البحر المحيط.
(٢) البيضاوي.
(٣) فتح الرحمن.
(٤) روح البيان.