الصور البَشِعَةِ الدالة على الميل إلى الفجور، إنما هو من فعل زنادقة اليهود، لِيُلَبِّسوا على المسلمين دينهم، ويشوهوا به تفسيرَ كلام ربهم، ولا يَغُرَّنَّك إسناد تلك الروايات إلى بعض الصحابة، والتابعين، فهي موضوعة عليهم، ولا ينبغي أنْ يُعْتَدَّ بها؛ لأن نُصوصَ الدِّين تنبذها إلى أنه من علم الغيب في قصة لم يعلم الله رسولَه غير ما قصه عليه في هذه السورة، وكَفَى بهذا دلالة على وضعها.
ثم قال العزيزُ لزليخا: من أراد بأهلي سوءًا، قالت زُليخا: كنت نائمةً في الفراش، فجَاءَ هذا الغلام العبراني، وكشف عن ثيابي، وراودني عن نفسي، فالتفت العزيز إلى يُوسُفَ وقال: يا غلام هذا جزائي منك حيث أحسنت إليك، وأنت تحزنني
٢٦ - {قَالَ} يوسف دَفعًا عن نفسه، وتنزيهًا لعرضه {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}؛ أي: طالبتني للمواقعة لا أني أردت بها سوءًا كما قالت؛ أي: هي طلبتني فامتنعتُ، وفرَرَتُ كما ترى.
ولم يَقُل هذه ولا تلك لفرط استحيائه، وهو أدبٌ حسن، حيث أتى بلفظ الغيبة، ولم يكن يوسف يريد أن يهتكَ سَتْرَها, ولكن لما لَطَّخَتْ عرضه احتاجَ إلى إزالة هذه التهمة عن نفسه، فصرَّحَ بالأمر فقال: هي طَالَبَتْنِي لِلمُواتَاة. وكانت الأمارات دالة على صدق يوسف لوجوه:
١ - أن يوسف كَانَ مولى لها، وفي مَجْرى العادة: أنَّ المولى لا يجرؤ أن يتسلَّط على سيدته، ويَتَشدَّد إلى مثل هذا.
٢ - أنهم رَأوا يُوسُفَ يعدو عَدْوًا شديدًا ليخرجَ، ومن يطلب امراْةً لا يَخْرُجُ على هذا النحو.
٣ - أنهم رأَوا الزينة قد بدَتْ على وجه المرأة، ولم يكن لها من أثر على وجهِ يوسف.
٤ - أنهم لم يشاهدوا من أخلاق يُوسُفَ في تلك الحقبة الطويلة ما يؤيد مثل هذه التهمة، أو يقوِّي الظنَّ عليه بأنه هو الطالبُ لا الهاربُ.
وقد أظهر الله تعالى لبراءته ما يقوِّي تلك الدلائل الكثيرةَ التي تظاهَرَتْ على أن بدء الفتنة كانت منها لا منه، وأنها هي المذنبة لا هو.