للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عذَّب الله العامَّةَ والخاصة"، فكل قوم لم يكن فيهم آمر بالمعروف، وناه عن المنكر، من أرباب الصدق، وهم مجتمعون على الفساد، أو لا يأتمرون بالأمر بالمعروف، ولا ينتهون بالنهي عن المنكر، فإنهم هالكون.

وقرأت فرقة (١): {بَقِية} بتخفيف الياء اسم فاعل من بقي نحو: شجيت فهي شجية. وقرأ أبو جعفر وشيبة: {بُقْية} بضم الباء وسكون القاف، بوزن فعلة. وقرىء: (بَقْيَة) بوزن فَعْلَة للمرة من بقاه يبقيه، إذا رقبه وانتظره. وقرأ زيد بن علي: {إلا قليل} بالرفع لحظ أن التحضيض تضمن النفْيَ فأبدل كما يبدل في صريح النفي. وقرأ جعفر بن محمَّد، والعلاء بن سيابة كذا في كتاب "اللوامح"، وأبو عمرو في رواية الجعفي، {وأتبعوا} ساكنة التاء مبنيةً للمفعول على حذف مضاف؛ لأنه مما يتعدَّى إلى مفعولين؛ أي: جزاء ما أترفوا فيه.

١١٧ - ثم بَيَّن سبحانه وتعالى ما يحول بين الأمم وإهلاكها فقال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ} يا محمَّد {لِيُهْلِكَ الْقُرَى} (اللام) لام الجحود عند البصريين، وينتصب الفعل بَعْدَهَا بإضمار أن، وهي متعلقة بخبر كانَ المحذوف؛ أي: مريدًا لإهلاك أهل القرى. وقال الكوفيون: {يهلك} خبرُ كَانَ زيدت اللام دلالةً على التأكيد. {بِظُلْمٍ} حال من الفاعل؛ أي: ظالمًا لها بغير ذنب، واستحقاق للهلاك، بل استحَالَ ذلك في الحكمة. {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}؛ أي: غير ظالمينَ، حال من المفعول، والمراد تنزيه الله تعالى عن الظلم بالكلية، بتصويره بصورة مَا يستحيل صدوره عنه تعالى، وإلا فلا ظُلْمَ فيما فَعَلَ الله بعباده، كائنًا مَا كَانَ.

والمعنى: وما كان الله سبحانَه وتعالى مريدًا لإهلاك أهل القرى حالةَ كونه ظَالِمًا لها بغير ذنب، ولا استحقاق إهلاك، حَالَةَ كون أهلها غيرَ ظالمين. وقيل قوله: {بِظُلْمٍ} متعلق بالفعل المتقدم، والمراد به الشرك.

والمعنى: أي ما صح (٢)، ولا استقام أن يهلك الله سبحانه وتعالى أَهلَ القرى بظلم وشرك يتلبسون به، والحال أن أهلها مصلحون فيما بينهم في تعاطي


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.